ما الاله: ١ — إن بعض الأولين مثل دياغورس الذى من أهل ملطية وثادورس الذى من قورينى واويمارس من تيجيا ينكرون وجود الآلهة إنكارا مطلقا: وأويمارس وكذلك كليماخوس الذى من قورينى يومئ إليه فى شعره إذ يقول «هلموا يا أهل البحار حتى تصيروا إلى أمام السور، فتنظروا إلى شيخ عتيق خلقه زاوس يكتب كتبا باطلة جائرة»، يعنى بذلك كتبه فى بطلان الإله. ٢ — وأما اريابيدس صاحب الأغانى فانه لم يحب أن يفصح بذلك فرقا من أريوس فاغس. إلا أنه أومأ إليه على هذه الجهة وذلك أنه جعل سسوفس〉 كالفم 〈ل〉هذه المقالة، وسدد رأيه إذ يقول: «إنه قد كان زمان وكانت 〈الحياة〉 فيه بغير نظام ولا ترتيب، 〈و〉ما كان سبقنا 〈كان〉 خادما للأقوياء» وذكر بعد ذلك بطل الفجور بوضع النواميس. ومن أجل أن النواميس إنما كان تقدر على أن تبطل ما كان من الجور ظاهرا، أو كان 〈كثير〉 بين الناس يستعمل العلم استعمالا خفيا، قصد رجل حكيم إصلاح ذلك بأن حمى عن الحق بباطل وضعه، وأقنع الناس باله حى باق أبدا يسمع ويبصر ويحس بجميع الأشياء ويعنى بها جدا. ٣ — وما يشهد على ذلك المثل السائر عند الشعراء فيما ذكر كليماخس إذ يقول: «إن كنت تعقل آلها فينبغى أن تعلم أنه قادر على أن يفعل [كل ما ينفعل]» وذلك أن الله [عز وجل] لا يفعل كل الأشياء، لأنه لا يجعل الثلج أسود، ولا النار باردة، ولا الليل نهارا ولا ينبغى أن يكون القائم قاعدا، وعكس ذلك. ٤ — فأما أفلاطن الكبير الصوت فانه لما قال إن الله [عز وجل] خلق العالم — أوجب أن خلقه إياه كان على مثال تصوره، على ما يقول الشعراء الأولون أصحاب القوموديا القديمة. ولو لم يكن، فكيف كان يتهيأ أن يكون كون على الصورة التى هو عليها؟! ٥ — وأما أنا〈كسا〉غورس فأنه قال إن الأجسام كانت أولا فى المبدأ واقفة، وأن العقل (هو الإله) رتبها، وجعل لها تولدا على مثال ثبات. ٦ — وأما أفلاطن فانه لم يضع الأجسام الأول واقفة، لكنه وضعها متحركة حركة غير منتظمة، وأن الإله رتبها بالنظام، إذ كان النظام والترتيب أفضل من لا نظام ولا ترتيب. ٧ — وقد وقع فى القولين جميعا خلل من قبل أنه قال: إن الإله مدبر أمور الناس وإنه شبههم صنع الخلق. وذلك أن الحى، الذى لا يقبل الفساد، الممتلئ من جميع الخيرات، الذى لا يقبل شيئا من الشر ألبتة إذ كان يقينا بالسعادة التى تخصه والسرمدية، لا يليق به هذا التدبير من تدابير الناس. ولو كان ذلك لكان متعوبا كالصانع التعب والحمال المثقل والمهموم بما يعمل. ٨ — وأيضا يقال لهم: هل الإله فى قولكم لم يكن لما كانت الأجسام غير متحركة، ولما كانت متحركة على غير نظام؟ أو كان نائما، أوساهيا؟ وليس شىء من هذه الأقاويل جائزا عليه، وذلك أن الأول منها غير مقبول. لأن الله [عز وجل] أزلى؛ وكذلك الثانى، لأنه لو كان نائما فى الدهور الماضية كان ميتا، لأن الموت ليس هو شىء غير نوم الدهر، والله [عز وجل] لا يقال عليه إنه يقبل النوم. ٩ — وذلك أن الذى لا يموت، وهو بعيد من النوم لا يقبل ذلك، ولو قبله لم يكن محمودا ولا كان أول الخير. ولو كان ناقصا فى السعادة لم يكن مغبوطا وكان منقوصا، فاعلا أفعالا باطلة. ١٠ — ولو كان يدبر حركات الناس، فلماذا كان يرى فيها الشرير مسعودا والفاضل مرذولا معتلا؟ فان أغاممنن هو، على ما قال الشاعر «ملك خير قوى 〈بارز فى الحرب〉» لفاجر وفاجرة [و]قتل بحيلهما. كذلك أورقليس، قرابته، فانه ينقذ العالم من أشياء كثيرة مفسدة [و]للناس 〈قد دس له دايانيرا ال〉 سم فقتل. ١١ — وأما ثاليس فكان يرى أن الله [عز وجل] هو عقل العالم. ١٢ — وأما انقسمندرس فكان يرى أن السموات إلى ما لا نهاية لها هى آلهة. ١٣ — وأما ديمقريطس فكان يرى أن الإله هو العقل، وأن نفس العالم نار كسرى. ١٤ — وأما فوثاغورس فكان يرى أن المبادئ منها الواحدة، وهى الإله والخير، وأنها طبيعة الواحد وهى العقل؛ وأن الثانية التى لا حد لها هى التى تسمى دوادا وهى الشر؛ وفيها الكثرية العنصرية، والعالم المبصر. ١٥ — وأما سقراط وفلاطن فانهما يقولان إن الله [عز وجل] هو الواحد البسيط الذى لا علة له، الذى هو واحد، عدل، الذى وحده على الحقيقة موجود؛ وهذه الأسماء كلها تنتهى إلى العقل؛ فهو عقل مفارق الصور، غير مخالط العنصر ألبتة، ولا مشارك شيئا، ولا مما يقبل التأثير. ١٦ — وأما أرسطوطاليس فانه يرى أن الإله الأعلى مفارق للصور، يحوى كرة الكل، التى هى جسم أثير، وهى العنصر الخامس الذى نسميه الأعظم، وهو مقسوم بالأكر. وهذه الأكر أما بالطبع فهى متصلة متحدة، وأما بالعقل والفكر فانها منفصلة. وإن كل واحدا من هذه الأكر حى مركب من نفس وجسم؛ فالجسم منها هو الأثير. فتحركه حركة دورية. وأما النفس فانها نطق عقل غير متحرك، وهى علة الحركة بالفعل. ١٧ — وأما الرواقيون فانهم على الأمر المشترك يقولون إنه نار صناعى يسلك طريق كون العالم ويحتوى على المناسبات التى للدرع التى بها يكون كل واحد على مجرى التجسيم. وأنه روح ينفذ فى كل العالم. وكانوا ينقلون الأسماء إلى العنصر الذى ينفذ فيه. وكانوا يسمون العالم والكواكب والأثير بهذا الاسم؛ والذى هو أعلى من ذلك أجمع وهو فى الأثير كانوا يسمونه العقل. ١٨ — وأما ابيقرس فانه يرى أن الآلهة فى صورة الناس، وأنهم مبصرون بالعقل للطافة طبيعة جواهرهم. وكان يقول بأربع طبائع أخر غير قابلة للفساد فى جنسها وهى هذه: الأجزاء التى لا تتجزأ، والحلاء، وما لا نهاية له، والمتشابهات، وهى تسمى متشابهات الأجزاء وتسمى اسطقسات.
Bogga 114