Friday Sermon Topics
موضوعات خطبة الجمعة
Daabacaha
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٩هـ
Goobta Daabacaadda
المملكة العربية السعودية
Noocyada
[مقدمة]
موضوعات خطبة الجمعة إعداد الشيخ عبد الرحمن بن معلى اللويحق
بسم الله الرحمن الرحيم
Bog aan la aqoon
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: أما بعد:
إن لخطبة الجمعة - لو قَدرت قدرها - أثرًا وخطرًا عظيما فبها يِمكن أن تحدث تبدلات وَتحولات في الأمة، وعن طريقها يمكن أن يصلح فئام من الناس، إذ الشارع الحكيم لا يِشرع أمرًا إلا لحكم وغايات، ومقاصد وأهداف، بيد أن العباد ببعدهم عن الالتزام بالشرع يفوتون على أنفسهم تحقيق تلك المصالح.
وإذا أريد لخطبة الجمعة أن تقع موقعها، وتؤثر الأثر المنشود فلابد من الاهتمام بأمور أولاها بالعناية موضوع الخطبة فهو روحها، فكم من خطيب بليغ، متوقد العاطفة، يتكلم بضروب من الكلام لا يِستفاد منها، لأنه لم يعتن بموضوعها.
وقد كان حقيقًا بأهل العلم أن يتدارسوا ويؤصلوا قواعد وضوابط ما يقال في خطبة الجمعة، ويجعلوا ذلك في سياق عام لدراسة كل ما يخص الأئمة والخطباء والمسجد.
وقد جعلت هذا البحث في مبحثين وخاتمة.
1 / 3
المبحث الأول عنوانه: سيِاق الخطبة وأجزاؤها وفيه تسعة مطالب:
المطلب الأول: السلام.
المطلب الثاني: الحمد والثناء.
المطلب الثالث: الصلاة على النبي ﷺ والشهادة له بالرسالة.
المطلب الرابع: الوصية بتقوى الله تعالى.
المطلب الخامس: قراءة القرآن الكريم في الخطبة.
المطلب السادس: الدعاء.
المطلب السابع: كلام الخطيب مع الناس.
المطلب الثامن: التَرتيب والموالاة بين أجزاء الخطبة.
المطلب التاسع: ترجيحات لبعض العلماء في حكم أجزاء الخطبةَ.
والمبحث الثاني وعنوانه: ضوابط وقواعد لموضوعات خطبة الجمعة، وفيه عشرة مطالب.
المطلب الأول: حسن اختيار الموضوع.
المطلب الثاني: حسن الإعداد.
1 / 4
المطلب الثالث: وحدة الموضوع وترابطه.
المطلب الرابع: تخفيف الخطبة وتَقصيرها.
المطلب الخامس: مراعاة القدرة.
المطلب السادس: مراعاة الأحوال.
المطلب السابع: حسن النقد وجمال النصح.
المطلب الثامن: الموازنة ببن المتقابلات.
المطلب التاسع: التثبتَ.
المطلب العاشر: معالجة مشكلات الأمة.
1 / 5
[المبحث الأول سياق الخطبة وأجزاؤها]
[المطلب الأول السلام]
المبحث الأول
سياق الخطبة وأجزاؤها المطلب الأول
السلام سلام الخطيب على الناس قبل الخطبة: يشرع لكل داخل على قوم أن يسلم بتحية الإسلام: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاتَه " وهذا من الأخلاق الحميدةَ التي دعا إليها الإسلام، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ٢٧] (١) ويقول سبحانه: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [النور: ٦١] (٢) .
والخطيبِ يدخل المسجد يوم الجمعةَ والناس فيِه يِنتظرون، فكان مشروعًا له أن يسلم عليهم، ولعلماء الأمة وفقهائها كلام في حكم السلام ومحله أجمله فيما يلي:
_________
(١) سورة النور آية ٢٧.
(٢) سورة النور آية ٦١.
1 / 6
١ - الخلاف في حكم السلام: اختلف الفقهاء في حكم سلام الخطيب على قوليِن: -
القَول الأول: مشروعية سلام الخطيب على من في المسجد وبهذا القول قال المالكية (١) والشافعيِة (٢) والحنابلة (٣) .
- القَول الثَاني: إن سلام الخطيب على من في المسجد لا يجوز، وهذا قول الحنفيةَ، بل إنهم جعلوا ترك السلام من خروج الخطيب إلى الناس إلى دخوله في الصلاة سنة (٤) .
الأدلة:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بجملة من الأحاديث الدالة على مشروعيِة سلام الخطيب منها:
- عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: «كان النبي ﷺ إذا صعد المنبر سَلّم» (٥) .
_________
(١) ينظر: الدردير، الشرح الكبير والعدوي، حاشيته على الخرشي ٢ / ٨٢.
(٢) ينظر: النووي، روضة الطالبين ٢ / ٣١، والشربيني، ومغني المحتاج ١ / ٢٨٩.
(٣) ينظر البهوتي، كشاف القناع ٢ / ٣٥، والمرداوي، الإنصاف ٢ / ٣٩٥.
(٤) ينظر الحصفكي، الدر المختار ٢ / ١٥٠ مع حاشية ابن عابدين.
(٥) رواه ابن ماجة في السنن١ / ٣٥٢، والبيهقي في السنن الكبرى ٣ / ٢٠٤، والبغوي في شرح السنة ٤ / ٢٤٢.
1 / 7
- وعن ابن عمر ﵄ قال: «كان رسول الله ﷺ إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلّم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلّم» (١) .
- عن ابن جريج عن عطاء: «أن النبي ﷺ كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس فقال: السلام عليكم» (٢) .
- عن الشعبي قال: «كان رسول الله ﷺ إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه فقال: السلام عليكم، ويحمد الله ويثني عليه، ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلانه» (٣) .
أدلة القول الثاني: لم أجد لأصحاب القول الثاني أدلة.
٢ - الخلاف في محل السلام: اختلف القائلون بمشروعية تسليم الخطيب يوم الجمعة على الناس في محل ذلك السلام على قولين: -
القول الأول: إن الإمام يسلم حال دخوله المسجد ثم يسلّم حين يصعد المنبر ويستقبل الناس بوجهه، وهذا قول الشافعية (٤) والحنابلة (٥) .
_________
(١) رواه البيهقي ٣ م ٢٠٥.
(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف ٣ / ١٩٢.
(٣) رواه ابن أبى شيبة في المصنف١ / ٤٤٩ وعبد الرزاق في المصنف ٣٩٣.
(٤) انظر النووي: روضة الطالبين ٢ / ٣١، والشربيني، مغني المحتاج ١ / ٣٨٩.
(٥) ينظر: البهوتي، كشف القناع ٢ / ٣٥، والمرداوي، والإنصاف٢ / ٣٩٥ - ٣٩٦.
1 / 8
ففي المغني قال ابن قدامة: "ويِستحب للإمام إذا خرج أن يسلّم على الناس ثم إذا صعد المنبر فاستقبل الحاضرين سلّم عليهم (١) .
القول الثاني: إنه يسلّم حال الدخول على الناس ويكره له التسلِيم إذا صعد المنبر، وهذا قول المالكية (٢) .
جاء في المدونة قول ابن القاسم: (وسألت مالكًا إذا صعد الإمام على المنبر يوم الجمعة هل يسلّم على الناس، قال: لا، وأنكر ذلك) (٣) .
وفى شرح منح الجليل: (و) ندب (سلام الخطيب) على الجماعة الذين في المسجد (لخروجه) على الناس للخطبة أي عنده وإن كان السلام في ذاته سنة ورده فرض كفاية، (لا) يِندب سلامه عند انتهاء (صعوده) أي الخطيب على المنبر فيكره، ولا يجب رده، لأنه معدوم شرعًا وهو كالمعدوم حسًا) (٤) .
الأدلة:
أدلة القَول الأول: استَدل القائل بمشروعية السلام في الحالِين بجملة أدلة هي: -
_________
(١) ابن قدامة، المعني ٣ / ١٦١.
(٢) ينظر: محمد عليشِ، شرح منح الجليل ١ / ٢٦٣، والخرشي على مختصر خليل ٢.
(٣) الإمام مالك، المدونة الكبرى١ / ١٥٠.
(٤) محمد عليش: شرح الجليل ١ / ٢٦٣.
1 / 9
١ - حديثِ جابر السابقَ ذكره.
٢ - حديث ابن عمر السابق ذكره.
٣ - مرسل الشعبي السابق ذكره.
وعللوا تكرار السلام بعد صعوده المنبر: أن الخطيب إذا صعد المنبر استدبر الناس في صعوده فكان مشروعًا له أن يسلم عليهم مرة أخرى إذا استقبلهم (١) .
تعليل القول الثاني: يعلل المالكية لقولهم بكراهة التسليم الثاني بعدم قيام الدليل عليه، ففي حاشية العدوي: " لأنه لم يرد ذلك في شيء من الروايِات الثابتة عن النبي ﷺ وإنما هو شيء محدث" (٢) .
والراجح من هذه الأقوال مشروعية السلام وتكراره في الحالين لما يلي:
١ - عمومات الأدلة الدالة على مشروعية سلام الداخل.
٢ - الأدلة النصية المذكورة في سلام النبي صلي الله عليه وسلم على الناس.
٣ - أن الخطيب عند خول المسجد يسلّم على من حوله بينما هو بعد صعوده يسلّم على الحاضرين كلهم.
_________
(١) ينظر: النووي، المجموع ٤ / ٥٢٦.
(٢) العدوي: حاشية العدوي على الخرشي ٨٢١٢.
1 / 10
[المطلب الثاني الحمد والثناء]
المطلب الثاني
الحمد والثناء دلت أحاديث النبي ﷺ المنقول فيها خطبه على أنه كان يبدأ بالحمد والثناء على الله ﷾، فمن ذلك:
عن جابر بن عبد اللَه ﵄ قال: " كانت خطبة النبي ﷺ يِوم الجمعة يحمد اللَه ويثني عليه ثم يِقول على إثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم («بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعية السبابة والوسطى») (١) .
وفي لفظ عنه أنه قال: "كان رسول الله ﷺ يخطب الناس، ويحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: «من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله» (٢) .
_________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٧٦٧) في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة، والنسائي (٨٨١٣ ١ - ١٨٩) في العيدين باب الخطبة، وابن ماجة في السنن ١ / ١٧ وابن خزيمة في الصحيح ٣ / ١٤٣.
(٢) رواه مسلم (٨٦٨) في الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة.
1 / 11
وما روي عن الحكم بن حزن الكلفي قال: «وفدت إلى رسول الله ﷺ سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلت عليِه، فقلت: يا رسول الله، زرناك فادع لنا بخير، فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله ﷺ فقام متوكئًا على عصى أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفِيفات طيباتَ مباركات، ثم قال»: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا، أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا» (١) .
وقد كان الواصفون لخطبة الرسول ﷺ يذكرون سياق الخطبة بقولهم: ثم قال بعد الحمد لله والثناء.
وقد ساق البخاري جملة من تلك الأحاديِث في صحيحه: كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبةَ بعد الثناء: أما بعد، فذكر حديث أسماء بنت أبي بكر ﵄ في ذكر الكسوف قالت: «فخطب الناس وحمد الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد. . .» الحديث (٢) .
_________
(١) رواد أبو داود ١ / ٢٨٧ رقم ١٠٩٦، كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس.
(٢) رواه البخاري كتاب الجمعة باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (٤٠٢) .
1 / 12
وذكر حديث عمرو بن تغلب في قصة المال الذي وزع على الناس فأعطى النبي ﷺ رجالًا وترك رجالًا فبلغه أن الذين ترك عتبوا، قال: «فحمد الله ثم أثنى عليه ثم ساق الحديث»، وذكر أحاديث أخرى في خطبة ﵊ يدل على أنه لم يترك التحميد والتهليل والثناء على الله ﷿ بما هو أهله صدر كل خطبه من خطبه الجمعة وغيرها (١) .
بل إن الأمر ورد بالحمد والثناء في الخطبة، فقال ﵊ في حديث أبى هريرة ﵁: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أبتر» (٢) . وفي رواية (أقطع) وفي رواية (أجذم) وفي الحديث «كل خطبة ليس فيها شهادة كاليد الجذ ماء») (٣) .
وهذه الأحاديث دالة على مشروعية الحمد والثناء والتَشهد، ولكن العلماء اختلفوا في درجة هذه المشروعية.
ففي المذهب الحنفي: يختلف القول في ذلك.
_________
(١) انظر هذه الأحاديث في البخاري كتاب الجمعة باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد (٤٥٢) .
(٢) الحديث رواه أبو داود باب الهدي في الكلام من كتاب الأدب (٢ / ٥٦٠) بلفظ أجذم، وابن ماجة في كتاب النكاح باب في خطبة النكاح (١ / ١٦٠) وأحمد في المسند (٢ / ٢٥٩) .
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ٣٠٢ تحقيق أحمد شاكر وأبو داود ١٣ / ١٨٥ مع عون المعبود والبخاري في التاريخ الكبير ٤ / ٢٢٩ وابن حبان في موارد الضمان ص ١٥٢، ٤٨٩، والترمذي في سننه ٢ / ١٧٩، وقال: حديث حسن غريب، والبيهقي والسنن ٣ / ٢٠٩.
1 / 13
فعند الإمام أبي حنيفة الحمد سنة، فلو حمد أو هلل أو سبح كفاه ذلك وأما عند أبي يوسف ومحمد فالتَحميِد واجب (١) .
ففي المبسوط: " وإذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما اللَه تعالى: (لا يجزؤه حتى يكون كلامًا يسمى خطبة) (٢) وفي تبيين الحقائق (وقال أبو يوسف ومحمد لابد من ذكر طويل يسمى خطبةَ وأقله قدر التشهد إلى قوله (عبده ورسوله) يثني بها على الله تعالى ويصلي على النبي ﷺ ويِدعو للمسلمين) (٣) .
وعند المالكية: يختلف القول أيضا، فالمشهور من المذهب أنه مندوب، ففي حاشية الدسوقي: (وعلى المشهور فكل من الحمد والصلاة على النبي والقرآن مستحب) (٤) وقال بعضهم إنه شرط لصحة الخطبة فقد نقل في حاشية الدسوقي عن بعض العلماء المالكية قولهم (أقل الخطبة حمد الله والصلاة والسلام على
_________
(١) انظر السرخسي، المبسوط ٢ / ٣٠ والزيلعي، وتبين الحقائق ١ / ٢٢٠.
(٢) السرخسي، المبسوط ٢ / ٣٠.
(٣) الزيلعي تبين الحقائق ١ / ٢٢٠.
(٤) الدسوقي، الحاشية ١ / ٣٧٨.
1 / 14
النبي ﷺ وتحذير وتبشير وقرآن) . وقال: (إن ذلك مقابل المشهور في المذهب وهو القول بأن الحمد مندوب) (١) .
وجعل الشافعيةَ التحميد ركنا وبعضهم يسميه فرضا.
ففي المذهب: " وفرضها أربعة أشياء أحدها: أن يحمد الله تعالى (٢) .
وفي روضة الطالبين: " وأركان الخطبةَ خمسة أحدها: يحمد الله تَعالى، ويتعيِن لفظ الحمد (٣) .
ومنهم من قال إنه شرط لصحة الخطبة وهو قول الحنابلةَ (٤) ففي كشاف القناع: "ومن شرط صحة كل منهما أي الخطبتين. . . (حمد الله) بلفظ الحمد لله فلا يجزئ غيره لحدثِ أبي هريرة مرفوعا (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد دنَه فهو أجذم) رواه أبو داود، ورواه جماعة مرسلا وروى أبو داود عن ابن مسعود قال: (كان النبي ﷺ إذا تشهد قال: الحمد لله) (٥) .
_________
(١) الدسوقي: الحاشية ١ ٣٧٨ وينظر أيضا الدردير، الشرح الصغر ١ / ٤٩٩، والخطاب، مواهب الجليل ٢ / ١٦٥ ومحمد عليش، شرح منح الخليل ٣ ٢٥٦ - ٢٦١.
(٢) نقلا عن النووي، المجموع ٤ / ٥١٦.
(٣) النووي، روضة الطالبين ٢ / ٢٤ وينظر الرملي نهاية المحتاج ٢ / ٣٠٠ والشربيني، مغني المحتاج ١ م ٢٨٥.
(٤) ينظر ابن قدامة، المغني ٣ / ١٧٣ والمرداوي، والإنصاف ٢ / ٣٨٧ وابن مفلح المبدع ٢ / ٢٨٥.
(٥) البهوتي، كشاف القناع ١ / ٢٨٥.
1 / 15
وظاهر من هذه الأقوال أنه ليس أحد من العلماء إلا ويجد التحميد وما يتبعه من التشهد مشروعاُ في الخطبة وإن كانوا اختلفوا في درجة المشروعية.
وأما صيغة الحمد فقد أوجب العلماء صيغة الحمد دون غيرها من صيغ التعظيم والثناء ففي مغني المحتاج: "ولفظهما أي: الحمد والصلاة، متعين للاتباع، ولأنه الذي مضى عليه الناس في عصر النبي ﷺ إلى عصرنا، فلا يجزئ الشكر والثناء، ولا إله إلا الله، ولا العظمة والجلال والمدح نحو ذلك، ولا يتعين لفظ الحمد بل يجزئه بحمد الله أو أحمد الله أو لله الحمد أو الله أحمد" (١) .
وفي الإنصاف: "ومن شرط صحتهما حمد الله بلا نزاع فيقول: الحمد لله بهذا اللفظ قطع به الأصحاب منهم المجد في شرحه وابن تيمية وابن حمدان وغيرهم قال في النكث: لم أجد فيه خالفًا (٢) .
_________
(١) لشرير، معي المحتاج ١ / ٢٨٥.
(٢) المرداوي، الإنصاف ٢ / ٢٨٧.
1 / 16
[المطلب الثالث الصلاة على النبي ﷺ والشهادة له بالرسالة]
المطلب الثالث
الصلاة على النبي ﷺ والشهادة له بالرسالة لقد رفع الله ذكر نبيه محمد ﷺ فما من عبادة تفتقر إلى ذكر الله ﷿ كالأذان إلا كان مشروعًا أن يذكر فيها النبي ﷺ يقول تَعالى: ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾ [الشرح: ٤] (١) .
وقد أمر الله ﷿ عباده بالصلاة على نبيه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] (٢) .
والصلاة على النبي ﷺ، وإن كانت مشروعة بكل حال إلا أن مشروعيتها تتأكد يوم الجمعة.
فعن أوس بن أوس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «(من أفضل أيامكم يِوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيِه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي. . .)» (٣) .
_________
(١) سورة الشرح آية ٤.
(٢) سورة الأحزاب آية ٥٦.
(٣) رواه أحمد ٤ / ٨ وأبو داود ٣ / ٣٧٠ والنسائي ٣ / ٩١ والدارمي١ / ٣٦٩ وابن خزيمة ٣ / ١١٨.
1 / 17
وقد اختلف فقهاء المذاهب في حكم الصلاة على النبي ﷺ فذهب أبو حنيفةَ إلى القول بسنية الصلاة على النبي ﷺ في الخطبةَ، وهذا القول هو المشهور في المذهب المالكي.
جاء في بدائع الصنائع: وأما سنن الخطبة فمنها. . ويصلي على النبي ﷺ (١) .
وقال الدردير في الشرح الكبير: " وندب ثناء على اللَه وصلاة على نبيه (٢) . وذهب الشافعية إلى أنه فرض أو ركن، ففي مغني المحتاج في بيِان أركان الخطبة: والثاني الصلاة على رسول الله ﷺ " (٣) .
والمذهب عن الحنابلة أن الصلاة على النبي ﷺ في الخطبة شرط ففي الإنصاف في بيان شروط الخطبة: (ومن شرط صحتها حمد الله. . . والصلاة على النبي ﷺ: هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. . . وقيل لا يشترط ذكره (٤) .
_________
(١) الكاساني: بدائع الصنائع، ١ / ٣٦٣ وينتظر أيضا عابدين، حاشيته ٢ / ٣٦٩، حاشيته٢ / ١٤٩.
(٢) الدردير، الشرح الكبير ١ / ٨٧٣، وينتظر أيضا العدوي، حاشيته على الخرشي ٢ / ٧٨.
(٣) الشربيني، مغني المحتاج ١ / ٢٨٥.
(٤) المرداوي، الإنصاف ٢ / ٣٨٧.
1 / 18
وقال ابن قدامة: "ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي ﷺ (١) .
الأدلة: ويستدل أصحاب الأقوال الثلاثة القائلون بالوجوب أو أنه شرط أو أنه ركن بجملة أدلة منها:
قوله سبحانه: ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾ [الشرح: ٤] (٢) روي عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال: (لا أذكر إلا ذكرت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) .
قال ابن قدامة: وإذا وجب ذكر الله وجب ذكر النبي ﷺ، لما روي في تفسير قوله تعالي: ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ [الشرح: ١] (٣) . ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾ [الشرح: ٤] (٤) . قال: (لا أذكر إلا ذكرت معي) ولأنه موضع وجب فيه ذكر الله تعالي والثناء عليه فوجبت فيه
_________
(١) ابن قدامة، المغني ٣ م ١٧٤.
(٢) سورة الشرح آية ٤.
(٣) سورة الشرح آية ١.
(٤) سورة الشرح أية ٤.
1 / 19
الصلاة على النبي ﷺ كالأذان والتشهد) «١) .
وقال الشربيني: لأنها عبادة افتقرت إلى ذكر الله فافتقرت إلي ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم، كالأذان والصلاة) (٢) .
وما روي عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: قال الله تعالي: «وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي» (٣) .
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال: رسول الله ﷺ: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا فيه ربهم ولم يصلوا على نبيهم ﷺ إلا كان ترة عليهم يوم القيامة إن شاء أخذهم الله وإن شاء عفا عنهم)» (٤) .
وأما الذين قالوا بعدم الوجوب أو الاشتراط فعللوا ذلك: بأن النبي ﷺ لم يذكر ذلك في خطبه، وعمالا بالأصل (٥) .
_________
(١) ابن قدامة المغني ٣ / ١٧٣ - ١٧٤.
(٢) الشربيني، مغني المحتاج ١ / ٢٨٥.
(٣) رواه البيهقي في دلائل النبوة.
(٤) سنن البيهقي ٣ / ٢١٠ كتاب الجمعة باب يستدل له على وجوب ذكر النبي ﷺ في الخطبة.
(٥) ينظر البهوتي، كشاف القناع ٢ / ٣٢.
1 / 20
قال ابن قدامة: (ويحتمل أن لا تجب الصلاةَ على النبي ﷺ، لأن النبي ﷺ لم يذكر ذلك في خطبه، وعملا بالأصل) (١) .
صيغة الصلاة على النبي ﷺ: وأما صيغةَ الصلاة على النبي ﷺ، فقد قال العلماء: إنها متعينة، ففي مغني المحَتاج " ولفظهما أي الحمد والصلاة متعين للاتباع، ولأنه الذي مضى عليه الناس في عصر النبي ﷺ إلى عصرنا (٢) .
ولا يتعين لفظ اللهم صلى على محمد، بل يجزئ أصلي أو نصلي على محمد، أو أحمد أو الرسول أو النبي أو العاقب أو الحاضر أو الناشر أو النذير، ولا يكفي رحم الله محمدًا أو ﷺ وصلى الله على جبريل ونحو ذلك " المرجع السابق ١ / ٢٨٥.
والذي أراه أن يأخذ الخطيب بأفضل الصيغ في الصلاة على النبي ﷺ، وهي الصيغة الواردة في الإبراهيميةَ.
مسألة: هل يِلزم مع الصلاة على النبي الشهادة له بالرسالة؟
_________
(١) ابن قدامة، المغني ٣ / ١٧٤.
(٢) الشربيني، مغني المحتاج ١ / ٢٨٥) .
1 / 21