والجمال بعد كفاكهة الصيف يسرع إليها العطب، ولا يقسم لها الدوام، ويتفق كثيرا أن يقود الشباب إلى العربدة، ويخل باتزان الشيخوخة، ولكنه مع هذا يزيد بهاء الفضيلة، ويحجب دمامة الرذيلة حين يصان عن الابتذال.
الانتقام
الانتقام ضرب من العدل الآبد الجموح، كلما هجمت عليه طبيعة الإنسان وجب على القانون أن يمحوه ويقتلعه، فإن العدوان الأول لا يتجاوز أن يكون إساءة إلى القانون، أما الانتقام لذلك العدوان فهو يعطل عمل القانون وينزع وظيفته من بين يديه.
والمنتقم ند للمعتدى عليه، ولكن المسامح الغفور أعلى منه وأكرم، وما زال من شأن الأمراء أن يهبوا العفو والغفران، وقد قال سليمان الحكيم: «مجد الإنسان أن يمر بالإساءة مر الكرام.»
وما مضى فات ولا يعود، وحسب العقلاء ما يشغلهم من شئون الحاضر والمستقبل، وإنما يعبث في حق نفسه من يعنيها بما مضى من أوقاته وشئونه.
وما من أحد يبغي أن يسيء حبا للمساءة، وإنما يسيء المسيء طلبا لمنفعة أو مسرة أو رفعة، فما بالي أغضب على إنسان لأنه يحب نفسه فوق حبه إياي؟ أما الذي يسيء لأنه مطبوع على الإساءة، فالغضب منه أعجب؛ لأن مثله كمثل الشوك الذي يخدش ويطعن؛ لأنه لا يحسن غير ذلك.
إن أدنى الانتقام إلى القبول لذاك الانتقام للإساءات التي لا يصلحها القانون، ولكن على المنتقم في هذه الحال أن يجعل انتقامه كذلك، بحيث لا يعاقب القانون عليه، وإلا كان عدوه راجحا عليه، وقد بادله واحدة باثنتين!
ومن الناس من إذا انتقموا أحبوا أن يعرف غريمهم من أين جاءته النقمة، وهو أدنى إلى الكرم والنخوة، إذ لا تكون غبطة المنتقم بمحض الضرر، بل بحمل غريمه على الندم، إلا أن الطبائع اللئيمة الماكرة ترسل انتقامها كالسهم الذي ينطلق في الظلام.
وقد كانت لكوسموس دوق فلورنسة كلمة يائسة يقولها عن أصدقائه الخونة، كأنه يرى أن أشباه هذه الأخطاء لا تقبل الغفران، فكان يقول: «إننا أمرنا بأن نغفر لأعدائنا ولم نؤمر بأن نغفر لأصدقائنا.»
ولكن سجية أيوب قد ارتفعت إلى نغم أجمل وأفضل حين قال: أنأخذ من يد الله ما يسر، ولا نرضى أن نأخذ منها ما يسوء؟
Bog aan la aqoon