وكان اللورد برجلي
Burghly
رئيس الوزراء من أقرب ذويه، فألقى اعتماده عليه ووثق من أخذه بيده في مراتب الدولة مرتبة بعد مرتبة ومقاما فوق مقام، ولكنه لم يلبث أن تطامن في رجائه وكفكف من غلوائه، وعلم أنه الطريق الموصد العسير، وليس كما كان يحسبه بالطريق الممهد اليسير.
وأعاد الرجاء كرة بعد كرة، وأفضى إلى قريبه بغاية ما يرجوه لو شاء أن يصغي إليه، وهو منصب معتدل المورد يعينه على الدرس ويكفيه لنفقة أمثاله، فوعده بوظيفة كاتب المجلس الخاص بعد خلوها، وهي قلما تخلو مرة في كل عشرين سنة!
ويحار المؤرخون في تعليل هذا العداء العجيب الذي لا يعرف له سبب، ولم ينقل من كلام باكون ولا كلام أقربائه ما يفسره ويبطل الحيرة فيه، فالذين يحسنون الظن باللورد برجلي يردونه إلى شكه في ولاء فرنسيس واعتقاده - من لمحات أخلاقه في صباه - أنه ليس بالولي الذي يركن إليه ويؤتمن على صنيعة، ويضاف إلى ذلك سوء ظن الساسة بأصحاب الأقلام، وعشاق الكتب والدروس، ونظرتهم إليهم - فطرة - تلك النظرة التي تمتزج فيها السخرية بالارتياب.
والذين يسيئون الظن برئيس الوزارة يعزون عداءه المستور لقريبه الناشئ إلى خوفه من منافسته لولده روبرت، وهو من أقران فرنسيس في السن والدراسة، ولا يخفى على الوالد الفطن فرق ما بينه وبين فرنسيس في الذكاء، والحيلة، وذرائع الوصول.
وأيا كان سر هذا العداء فقد علم الحكيم الصغير بعد قليل أن المساعدة الثانوية هي قصارى ما يرجوه من أقربائه، ووزراء زمانه، فهم لا يضنون عليه بالمساعدة في أعمال المحاماة، أو الانتخاب لمجلس النواب أو بسداد ديونه إذا أحرجه الدائنون، وقد أحرجوه مرتين، وساقوه إلى السجن في هاتين المرتين، فوفى روبرت دينه في المرة الثانية وقسطه عليه.
أما المناصب التي ترجى وتخشى فقد صدوه عنها، وصدوا من يعينه عليها من كبراء الدولة، ولجوا في الحيلولة بينه وبينها حتى جرت بينهم وبين أنصاره في سبيلها ملاحاة عنيفة قلما تجري بين الكبراء.
ففي سنة 1584 دخل مجلس النواب عن مالكومب رجيس
Malcombe Regis ، وعاد فدخله مرة ثانية نائبا عن ليفربول سنة 1588، وهي سنة انتصار الإنجليز على الأسبان في معركة «الأرمادا» المشهورة.
Bog aan la aqoon