Fitnada Weyn Qeybta Labaad: Cali iyo Caruurtiisa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Noocyada
فليس غريبا إذن أن يستقبل المسلمون خلافة علي ووجوههم عابسة وقلوبهم خائفة ونفوسهم قلقة، ويزيد في هذا العبوس والخوف والقلق أن الثائرين الذين قتلوا عثمان كانوا ما يزالون مقيمين بالمدينة متسلطين عليها، حتى كأن الخليفة الجديد ومن بايعه من المهاجرين والأنصار لم يكونوا في أيديهم إلا أسارى؛ وآية ذلك أن الخليفة لم يستطع أن يمضي في تحقيق ما أصاب عثمان وما أصاب المسلمين من كارثة الفتنة لأنه لم يجد القدرة على هذا التحقيق.
وكان المسلمون من أهل المدينة يعرفون مكان العمال الذين أمرهم عثمان على الأمصار، ويقدرون أنهم جميعا - أو أن بعضهم على الأقل - سينكرون الخلافة الجديدة ويجادلون الخليفة في سلطانه غضبا لعثمان الذي ولاهم، وكانوا يخافون من هؤلاء العمال، بنوع خاص معاوية بن أبي سفيان عامل عثمان على الشام، يعرفون قرابته من الخليفة المقتول ويعرفون طاعة أهل الشام له لطول إقامته فيهم وإمرته عليهم منذ عهد عمر، وكانوا يعرفون مكانة معاوية من بني أمية، ويعرفون الخصومة القديمة بين بني أمية وبني هاشم قبل أن يظهر الإسلام وحين انتقل النبي وأصحابه بدينهم الجديد إلى المدينة، فقد أصبح أبو سفيان قائد قريش بعد أن قتل قادتها وسادتها يوم بدر، وهو الذي أقبل بقريش يوم أحد فثأر لقتلى بدر من المشركين، وامرأته هند أم معاوية هي التي أعتقت وحشيا أن قتل حمزة، فلما قتله أقبلت على ميدان الموقعة وبحثت عن حمزة حتى وجدته بين القتلى فبقرت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها.
وأبو سفيان هو الذي قاد قريشا يوم الخندق وألب العرب على النبي وأصحابه وأغرى اليهود حتى نقضوا عهدهم مع النبي وأصحابه، وأبو سفيان هو الذي ظل يدبر مقاومة قريش للنبي وكيدها له ومكرها به حتى كان عام الفتح، فأسلم حين لم يكن له من الإسلام بد.
ومهما يقل الناس في معاوية من أنه كان مقربا إلى النبي بعد إسلامه، ومن أنه كان من كتاب الوحي، ومن أنه أخلص للإسلام بعد أن ثاب إليه ونصح للنبي وخلفائه الثلاثة، مهما يقل الناس في معاوية من ذلك فقد كان معاوية هو ابن أبي سفيان قائد المشركين يوم أحد ويوم الخندق، وهو ابن هند التي أغرت بحمزة حتى قتل ثم بقرت بطنه ولاكت كبده، وكادت تدفع النبي نفسه إلى الجزع على عمه الكريم.
وكان المسلمون يسمون معاوية وأمثاله من الذين أسلموا بأخرة، ومن الذين عفا النبي عنهم بعد الفتح بالطلقاء؛ لقول النبي لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء.»
كان الناس يعرفون هذا كله ويقدرون أن الأمور لن تستقيم بين الخليفة الهاشمي والأمير الأموي في يسر ولين، وكانوا كذلك يعرفون أن قريشا قد صرفت الخلافة عن بني هاشم بعد وفاة النبي إيثارا للعافية وكراهة أن تجتمع النبوة والخلافة لهذا البطن من بطون قريش، وكانوا يرون أن الله قد آثر بني هاشم بنبوة محمد
صلى الله عليه وسلم
فاختصها بخير كثير، وأن بني هاشم ينبغي لهم أن يقنعوا بما آثرهم الله به من هذا الخير الضخم والفضل العظيم.
فكان الناس إذن لا يشفقون من فساد الأمر بين علي ومعاوية فحسب وإنما يشفقون من فساد الأمر بين علي وبني هاشم من جهة وسائر قريش من جهة أخرى، فلم يكونوا إذن يستقبلون حياة قوامها الأمن والعافية والسعة، وإنما كانوا يستقبلون حياة ملؤها القلق والخوف، ويشفقون أن تنتهي بهم آخر الأمر إلى ضيق أي ضيق، وتورطهم في شر عظيم.
وكانوا ينظرون فيرون جماعة من خيار المهاجرين والأنصار قد آثروا العزلة وكرهوا أن يدخلوا فيما دخل الناس فيه فاعتزلوا أمر عثمان واعتزلوا بيعة علي وأقاموا ينتظرون، وكانت الكثرة الكثيرة من هؤلاء الناس من خيار المسلمين وأصلحهم وأحقهم بالإجلال والإكبار، فيهم سعد بن أبي وقاص، أول من رمى بسهم في سبيل الله، وفاتح فارس، وأحد الذين مات النبي وهو عنهم راض، وأحد الذين جعل عمر إليهم أمر الشورى. وفيهم عبد الله بن عمر الرجل الصالح الذي أحبه المسلمون على اختلافهم أشد الحب؛ لفقهه في الدين وإيثاره للخير وبعده عن الطمع ونصحه للمسلمين في غير رياء ولا مداهنة.
Bog aan la aqoon