Fitnada Weyn Qeybta Labaad: Cali iyo Caruurtiisa
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Noocyada
وقد انتفع الشيعة بهذه السياسة الرفيقة فنظموا أمورهم، وعارضوا سياسة الأمويين معارضة حرة، كان معاوية يكرهها ولكنه لم يكن يجد على أصحابها سبيلا، وقد أقام المغيرة واليا على الكوفة لمعاوية عشر سنين، لم ينكر الشيعة فيها منه شيئا ذا خطر إلا أن يكون عيبه لعلي، وقد كان مضطرا إلى ذلك بحكم السياسة الجديدة، وكانت الشيعة تلقى ذلك منه بالإغضاء مرة وبالنكر مرة أخرى.
وقد حرص المغيرة أشد الحرص على أن يرضي معاوية عن نفسه ليستديم ولايته على الكوفة، توسط بين معاوية وزياد حتى ضمن الأمان من معاوية لزياد، وضمن الطاعة من زياد لمعاوية، وعسى أن يكون له أثر فيما كان من استلحاق زياد، فأدى بذلك حق زياد، وعرف له ما قدم إليه من جميل حين لجلج في الشهادة بين يدي عمر فأعفاه من الحد، ثم هو بعد ذلك قد أرضى معاوية حين أراحه من كيد زياد له ومكره به، وحين حول زيادا من العدو الكائد الماكر إلى الولي الناصح الأمين، وألقى المغيرة في نفس معاوية فكرة ولاية العهد، ولعل معاوية لم ينتظر بهذه الفكرة مشورة المغيرة، ولكن المغيرة جرأه على التفكير فيها والجهر بها، وضمن له أهل الكوفة، وألقى هذه الفكرة نفسها في قلب يزيد، ففتح له أبوابا من الطمع لعلها لم تكن تخطر له على بال.
وكذلك عاش المغيرة هذه الأعوام العشرة مستريحا مريحا، أرضى السلطان وأرضى الرعية وأرضى نفسه، وإن لم يكن إرضاء نفسه يسيرا، فقد كان صاحب لذة ومسرفا على نفسه وعلى الناس، كثير الزواج كثير الطلاق، لم يكن يتزوج واحدة واحدة ويطلق حين يجتمع له أربع زوجات وحين يريد أن يستزيد، وإنما كان كثيرا ما يطلق أربعا ويتزوج أربعا، حتى أسرف المؤرخون عليه بعد ذلك، فزعم المكثرون أنه تزوج ألف امرأة في حياته الطويلة، وزعم المقللون أنه تزوج مائة أو تسعا وتسعين، وتوسط المعتدلون فزعموا أنه تزوج ثلاثمائة، وليس من شك في أنه كان يؤدي إلى هؤلاء الزوجات مهورا، وليس من شك كذلك في أنه كان يرضي كثيرا منهن عن الطلاق السريع، وما أحسب أن ثروته الخاصة كانت تقوم له بهذا السرف الكثير.
فحياة المغيرة كما ترى كانت خليطا من العمل الصالح والعمل السيئ، وأمره وأمرها بعد ذلك إلى الله، ولكن المهم هو أن سياسته حين ولي الكوفة لمعاوية قد يسرت للشيعة أمرها تيسيرا حتى كان أهل الكوفة يذكرونه بالخير كلما بلوا بعده قسوة الأمراء.
الفصل الثامن والأربعون
ولكن الأمور تتغير في البصرة حين يليها زياد سنة خمس وأربعين، ثم تتغير في الكوفة حين يضاف أمرها إلى زياد بعد موت المغيرة سنة خمسين، ولم تكن حياة زياد أقل غرابة من حياة المغيرة، كما لم يكن زياد نفسه أقل ذكاء ودهاء، ولا أدنى مكرا وكيدا من المغيرة، بل المحقق أنه قد تفوق على المغيرة في هذا كله.
وكان زياد ذا شخصيتين مزدوجتين، عاش بأولاهما أيام الخلفاء الراشدين، وعاش بالثانية بعد أن صالح معاوية، وكانت الشخصيتان متناقضتين إلى أقصى حدود التناقض وأبعد غاياته، كان راشدا حين عمل للخلفاء الراشدين، وكان طاغية جبارا حين عمل لمعاوية، وكان يرى نفسه في الحالين ناصحا للمسلمين، وكان يظن أثناء طغيانه أنه أحيا سياسة عمر، ولكن سياسة عمر أصلحت الناس، وسياسة زياد أيام معاوية ملأت حياة الناس وقلوبهم شرا ونكرا وفسادا.
وكان زياد أيام الخلفاء الراشدين رجلا من موالي ثقيف ولدته أمة للحارث بن كلدة، هي سمية، ولعلها كانت فارسية أو هندية، فأما أبوه فقد كان عبدا روميا لصفية بنت عبيد، زوج الحارث بن كلدة أيضا، وكان اسمه العربي «عبيد»، فقد كان زياد إذن مولى لآل الحارث بن كلدة من ثقيف، وكان حدثا أيام النبي، فقد ولد - فيما يقال - عام الهجرة أو بعيد الهجرة بقليل، ومن الناس من يقول عام الفتح.
وقد سار إلى العراق فيمن سار إليه مع عتبة بن غزوان، وكان عتبة قد تزوج بنت الحارث بن كلدة، وامرأته صفية، فأقام مع مواليه الذين شاركوا في الفتح، ومضى أمره كما استطاع أن يمضي، لا نعلم من أمر صباه وشبابه الأول شيئا، ولكنا نراه كاتبا لأبي موسى الأشعري حين كان أميرا على البصرة، ونراه رسولا إلى عمر ببعض الحساب، ونقرأ أن عمر قد أعجب بذكائه وفصاحته وحفظه للعدد وتصرفه فيه، وقد أمره أن يعرض الحساب على الناس كما عرضه عليه، ففعل. وأعجب هؤلاء العرب من أصحاب النبي بهذا الفتى الفصيح الجريء الذي يلعب بالأرقام لعبا لا عهد لهم به، ولم يخف عمر هذا الإعجاب.
ويزعم بعض الرواة أن أبا سفيان همس في ذلك اليوم بأن زيادا ابنه، ولم يجهر بذلك مخافة عمر، وأكبر الظن أن هذا الخبر اخترع بأخرة.
Bog aan la aqoon