الفتنة: مقتل عثمان بن عفان
نفي المخالفين من أهل الكوفة
...
يقول سيف بن عمر:
كان سعيد بن العاص [والي عثمان على الكوفة] لا يغشاه إلا نازلة أهل الكوفة ووجوه أهل الأيام وأهل القادسية وقراء أهل البصرة١ والمتمستون٢ وكان هؤلاء دخلته إذا خلا، فأما إذا جلس للناس فإنه يدخل عليه كل أحد فجلس للناس يوما فدخلوا عليه فينما هم جلوس يتحدثون قال خنيس٣ بن فلان ما أجود طلحة بن عبيد الله فقال: سعيد
_________
١ - في ابن الكثير " الكوفة ".
٢ - السمت: هيئة أهل الخير (لسان العرب) .
٣ - هو خنيس بن حبيش.
1 / 35
ابن العاص: أن من له مثل النشاستج١ لحقيق أن يكون جوادا والله لو أن لي مثله لأعاشكم الله عيشا رغدا فقال: عبد الرحمن بن خنيس - وهو حدث -: والله لوددت أن هذا الملطاط لك - يعني ما كان لآل كسرى على جانب الفرات الذي يلي الكوفة – قالوا: فض الله فاك والله لقد هممنا بك فقال:: خنيس غلام فلا تجاوزه٢ فقال: وا: يتمنى له سوادنا! قال: ويتمنى لكم أضعافه قالوا: لا يتمنى لنا ولا له قال: ما هذا بكم قالوا: أنت والله أمرته بها فثار إليه الأشتر وإبن ذي الحبكة وجندب وصعصعة وإبن الكواء وكميل بن زياد وعمير بن ضابئ فأخذوه فذهب أبوه ليمنع منه فضربوهما حتى غشي عليهما وجعل سعيد يناشدهم ويأبون حتى قضوا منهما وطرا فسمعت بذلك بنوا أسد فجاءوا وفيهم طليحة فأحاطوا بالقصر وركبت القبائل فعاذوا بسعيد وقالوا: أفلتنا وخلصنا.
فخرج سعيد إلى الناس فقال: ايها الناس قوم تنازعوا وتهاووا وقد رزق الله العافية ثم قعدوا وعادوا في حديثهم وتراجعوا فساءهم وردهم وأفاق الرجلان فقال: أبكما حياة؟ قالا:: قتلتنا غاشيتك قال: لا يغشوني والله أبدا فاحفظا علي ألسنتكما ولا تجرئا علي الناس ففعلا ولما انقطع رجاء أولئك النفر من ذلك قعدوا في بيوتهم وأقبلوا على الإذاعة حتى لامه أهل الكوفة في أمرهم فقال: هذا أميركم وقد نهاني أن أحرك شيئا فمن أراد منكم أن يحرك شيئا فليحركه.
فكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان في إخراجهم فكتب: إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية فأخرجوهم فذلوا وانقادوا حتى
_________
١ - النشاستج: ضيعة بالكوفة كانت لطلحة بن عبيد الله التيمي، وكانت عظيمة الدخل اشتراها من أهل الكوفة المقيمين بالحجاز بما كان له بخيبر، وعمرها، فعظم دخلها (ياقوت٨ – ٢٨٨) .
٢٢ - في نسخة: " تحاوروه " ط٤ – ٣١٨.
1 / 36
أتوه - وهم بضعة عشر - فكتبوا بذلك إلى عثمان وكتب عثمان إلى معاوية: إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة فرعهم وقم عليهم فإن آنست منهم رشدا فأقبل منهم وإن أعيوك فارددهم عليهم فلما قدموا على معاوية رحب بهم وأنزلهم كنيسة تسمى مريم وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق وجعل لا يزال يتغدى ويتعشى معهم فقال لهم يوما: إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم وقد بلغني أنكم نقمتم قريشا وإن قريشا لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم إن أئمتكم لكم إلى اليوم جنة١ فلا تشذوا عن جنتكم وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة والله لتنتهن أو ليبتليكم الله بمن يسومكم ثم لا يحمدكم على الصبر ثم تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم.
فقال رجل من القوم: أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا.
فقال معاوية: عرفتكم الآن علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيب القوم ولا أرى لك عقلا أعظم عليك امر الإسلام وأذكرك به وتذكرني الجاهلية وقد وعظتك وتزعم لما يجنك أنه يخترق ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة أخزى الله أقواما أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم إفقهوا - ولا أظنكم تفقهون - أن قريشا لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله ﷿ لم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا وأمحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا وأكملهم مروءة ولم
_________
١ - الجنة، بضم الجيم: الوقاية. (أقرب الموارد) .
1 / 37
يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضا إلا بالله الذي لا يستذل من أعز ولا يوضع من رفع فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة١ إلا ما كان من قريش فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله أن يستنقذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير خلقه ثم ارتضى له أصحابا فكان خيارهم قريشا ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم ولا يصلح ذلك إلا عليهم فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم بالله أفتراه لا يحطوهم وهم على دينه وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم! أف لك ولأصحابك! ولو أن متكلما غيرك تكلم ولكنك ابتدأت فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية أنتنها نبتا وأعمقها واديا وأعرفها بالشر وألأمها جيرانا لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سب بها وكانت عليه هجنه ثم كانوا أقبح العرب القابا وألأمه أصهارا نزاع الأمم٢ وأنتم جيران الخط وفعلة فارس حتى أصابتكم دعوة النبي ﷺ ونكبتك دعوته وأنت نزيع شطير٣ في عمان لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي ﷺ فأنت شر قومك حتى إذا أبرزك الإسلام وخلطك بالناس وحملك على الأمم التي كانت عليك أقبلت تبغي دين الله عوجا وتنزع إلى اللآمة٤ ولا يضع ذلك قريشا٥ ولن
_________
١ - دال الزمان دولة: انقلب من حال إلى الحال، وأصابه الدهر بدولة أي غير حاله إلى أسوا.
٢ - نزاع: جمع نازع، والنازع والنزيع: الغريب. (أقرب الموارد) .
٣ - الشطير: الغريب ط٤ – ٣٢٠.
٤ - اللآمة: من اللؤم.
٥ - لا يضع ذلك قريشا: لا يخفض منزلتها.
1 / 38
يضرهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم غير غافل قد عرفكم بالشر من بين أمتكم فأغرى بكم الناس وهو صارعكم١ لقد علم أنه لا يستطيع أن يرد بكم قضاء قضاه الله ولا أمرا اراده الله ولا تدركون بالشر أمرا أبدا إلا فتح الله عليكم شرا منه وأخزى.
ثم قام وتركهم فتذامروا فتقاصرت إليهم أنفسهم فلما كان بعد ذلك أتاهم فقال: إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا والله لا ينفع الله بكم أحدا ولا يضره ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرة ولكنكم رجال نكير وبعد فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم، وليسعكم ما وسع الدهماء ولا يبطرنكم الإنعام فإن البطر لا يعتري الخيار إذهبوا حيث شئتم فإني كاتب إلى أمير المؤمنين فيكم.
فلما خرجوا دعاهم فقال: إني معيد عليكم إن رسول الله ﷺ كان معصوما فولاني وأدخلني في أمره ثم استخلف أبو بكر ﵁ فولاني ثم استخلف عمر فولاني ثم استخلف عثمان فولاني فلم أل لأحد منهم ولم يولني إلا وهو راض عني وإنما طلب رسول الله ﷺ للأعمال أهل الجزاء عن المسلمين والغناء ولم يطلب لها اهل الإجتهاد والجهل بها والضعف عنها وإن الله ذو سطوات ونقمات٢ يمكر بمن مكر به فلا تعرضوا لأمر وأنتم تعلمون من أنفسكم غير ما تظهرون فإن الله غير تارككم حتى يختبركم ويبدي للناس سرائركم وقد قال ﷿: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ ٣.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان،
_________
١ - في نسخة " صادعكم ". ط٤ – ٢٢٠.
٢ - نقمات جمع نقمة على وزن كلمة: اسم من الانتقام وهي المكافأه بالعقوبة (أقرب الموارد) .
٣ - سورة العنكبوت، الآية: ١ – ٢.
1 / 39
أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء ولا يتكلمون بحجة إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم ومخزيهم وليسوا بالذين ينكون١ احدا إلا مع غيرهم فانه سعيدا ومن قبله عنهم فإنهم ليسوا لأكثر من سغب أو نكير.
وخرج القوم من دمشق فقالوا: لا ترجعوا إلى الكوفة فإنهم يشمتون بكم وميلوا بنا إلى الجزيرة ودعوا العراق والشام فأووا إلى الجزيرة وسمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - وكان معاوية قد ولاه حمص وولى عامل الجزيرة حران والرقة - فدعا بهم فقال: يا آلة الشيطان لا مرحبا بكم ولا أهلا قد رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد نشاط خسر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم حتى يحسركم يا معشر من لا أدري أعرب أم عجم لكي لا تقولوا لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية أنا ابن خالد بن الوليد أنا ابن من قد عجمته العاجمات أنا إبن فاقيء الردة والله لئن بلغني يا صعصعة ابن ذل أن أحدا ممن معي دق أنفك ثم أمصك٢ لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى فأقامهم أشهرا كلما ركب أمشاهم فإذا مر به [أي صعصعة] قال: يا بن الحطيئة٣ أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر! ما لك لا تقول كما كان يبلغني انك تقول لسعيد ومعاوية! فيقول ويقولون: نتوب إلى الله أقلنا أقالك الله فما زالوا به حتى قال تاب الله عليكم.
وسرح الأشتر إلى عثمان وقال لهم: ما شئتم ان شئتم فاخرجوا وان شئتم فأقيموا وخرج الأشتر فأتى عثمان بالتوبة والندم والنزوع عنه وعن أصحابه فقال: سلمكم الله وقدم سعيد بن العاص فقال عثمان للأشتر:
_________
١ - ينكون: من نكى العدو: قهره.
٢ - أمصك، أي قال له: مص هن (ذكر) أبيك ط٤ – ٣٢١.
٣ - في نسخة "الخطيئة".
1 / 40
أحلل حيث شئت فقال: مع عبد الرحمن بن خالد وذكر من فضله فقال: ذاك اليكم فرجع إلى عبد الرحمن
[وفي رواية أخرى١]:
لما قدم مسيرة أهل الكوفة على معاوية أنزلهم دارا ثم خلا بهم فقال لهم وقالوا: له فلما فرغوا قال: لم تؤتوا إلا من الحمق والله ما أرى منطقا سديدا ولا عذرا مبينا ولا حلما ولا قوة وإنك يا صعصعة لأحمقهم اصنعوا وقولوا ما شئتم ما لم تدعوا شيئا من أمر الله فإن كل شيء يحتمل لكم إلا معصيته فأما فيما بيننا وبينكم فأنتم أمراء أنفسكم فرآهم بعد وهم يشهدون الصلاة ويقفون مع قاص الجماعة فدخل عليهم يوما وبعضهم يقرئ بعضهم فقال: إن في هذا لخلفا مما قدمتم به علي من النزاع إلى أمر الجاهلية إذهبوا حيث شئتم واعلمو أنكم إن لزمتم جماعتكم سعدتم بذلك دونهم وإن لم تلزموها شقيتم بذلك دونهم ولم تضروا أحدا فجزوه خيرا وأثنوا عليه فقال: يا ابن الكواء أي رجل أنا: قال: بعيد الثرى كثير المرعى طيب البديهة بعيد الفور الغالب عليك الحلم ركن من أركان الإسلام سدت بك فرجة مخوفة قال: فأخبرني عن أهل الإحداث من أهل الأمصار فإنك أعقل أصحابك قال: كاتبتهم وكاتبوني وأنكروني وعرفتهم فأما أهل الإحداث من أهل المدينة فهم أحرص الأمة على الشر وأعجزه عنه وأما أهل الاحداث من أهل الكوفة فإنهم أنظر الناس في صغير وأركبه لكبير وأما أهل الاحداث من أهل البصرة فأنهم يردون جميعا ويصدرون شتى وأما أهل الإحداث من أهل مصر فهم أوفى الناس بشر وأسرعه ندامة وأما أهل الإحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم وأعصاه لمغويهم.
_________
١ - عن أبي حارثة وأبي عثمان ط٤ – ٣٢٨ و٣٢٩.
1 / 41
نفي المشاغبين من أهل البصرة إلى الشام:
لما مضى١ من إمارة ابن عامر [والي عثمان على البصرة] ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلا نازلا على حكيم بن جبلة وكان حكيم بن جبلة رجلا لصا إذا قفل الجيوش خنس عنهم فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الارض ويصيب ما شاء ثم يرجع فشكاه اهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان فكتب إلى عبد الله بن عامر: أن أحبسه ومن كان مثله لا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدا فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها فلما قدم ابن السوداء٢ نزل عليه واجتمع نفر إليه فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه وأرسل إليه ابن عامر فسأله: ما أنت؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام ورغب في جوارك فقال: ما يبلغني ذلك اخرج عني فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم.
[ثم] إن حمران٣ بن أبان تزوج امرأة في عدتها فنكل به عثمان وفرق بينهما وسيره إلى البصرة فلزم ابن عامر فتذاكروا يوما الركوب والمرور بعامر بن عبد قيس - وكان منقبضا عن الناس - فقال حمران: ألا أسبقكم فأخبره فخرج فدخل عليه وهو يقرأ في المصحف فقال: الأمير أراد أن يمر بك فأحببت أن أخبرك فلم يقطع قراءته ولم يقبل عليه فقام
_________
١ - عن عطية، عن يزيد الفقعسي ط٤ – ٣٢٦ و٣٢٧.
٢ - هو عبد الله بن سبأ الذي سيرد ذكره ودوره مفصلا.
٣ - عن محمد وطلحة ط٤ -٣٢٧.
1 / 42
من عنده خارجا فلما انتهى إلى الباب لقيه ابن عامر فقال: جئتك من عند امرئ لا يرى لآل إبراهيم عليه فضلا وأستأذن بن عامر فدخل عليه وجلس اليه فأطبق عامر المصحف وحدثه ساعة فقال له ابن عامر: ألا تغشانا؟ فقال سعد: ابن أبي العرجاء يحب الشرف فقال: ألا نستعملك؟ فقال: حصين بن أبي الحر يحب العمل فقال: ألا نزوجك فقال: ربيعة بن عسل يعجبه النساء قال: إن هذا يزعم أنك لا ترى لآل إبراهيم عليك فضلا فتصفح المصحف فكان أول ما وقع عليه وافتتح منه: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ ١ فلما رد حمران تتبع ذلك منه فسعى به وشهد له أقوام فسيره إلى الشام فلما علموا علمه أذنوا له فأبى ولزم الشام.
[وفي رواية اخرى٢]:
أن عثمان سير حمران بن أبان أن تزوج امرأة في عدتها وفرق بينهما وضربه وسيره إلى البصرة فلما أتى عليه ما شاء الله وأتاه عنه الذي يحب أذن له فقدم عليه المدينة وقدم معه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس أنه لا يرى التزويج ولا يأكل اللحم ولا يشهد الجمعة - وكان مع عامر انقباض وكان عمله كله خفية - فكتب إلى عبد الله بن عامر بذلك فألحقه بمعاوية فلما قدم عليه وافقه وعنده ثريدة٣ فأكل أكلا غريبا فعرف أن الرجل مكذوب عليه فقال: يا هذا هل تدري فيم أخرجت؟ قال: لا قال: أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم ورأيتك وعرفت أن قد كذب عليك وأنك
_________
١ - سورة آل عمران، الآية: ٣٣.
٢ - عن محمد وطلحة أيضا ط٤ - ٣٢٧
٣ - الثريدة: كسر الخبز المغمور بالبرق.
1 / 43
لا ترى التزويج ولا تشهد الجمعة؟ قال: أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب علي وأما اللحم فقد رأيت ولكني كنت امرأ لا آكل ذبائح القصابين منذ رأيت قصابا يجر شاة إلى مذبحها ثم وضع السكين على مذبحها فما زال يقول: النفاق النفاق حتى وجبت١ قال: فارجع قال: لا أرجع الى بلد استحل أهله مني ما استحلوا ولكني أقيم بهذا البلد الذي اختاره الله لي وكان يكون في السواحل وكان يلقى معاوية فيكثر معاوية أن يقول: حاجتك؟ فيقول: لا حاجة لي فلما أكثر عليه قال: ترد علي من حر البصرة لعل الصوم أن يشتد علي شيئا فإنه يخف علي في بلادكم.
_________
١ - حتى وجبت: حتى تم بيعها.
اجتماع الثوار على عثمان: لما رجع معاوية المسيرين٢ قالوا: إن العراق والشام ليسا لنا بدار فعليكم بالجزيرة فاتوها اختيارا فغدا عليهم عبد الرحمن بن خالد فسامهم الشدة فضرعوا له وتابعوه وسرح الأشتر إلى عثمان فدعا به وقال: إذهب حيث شئت فقال: ارجع إلى عبد الرحمن فرجع ووفد سعيد بن العاص إلى عثمان في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان وقبل مخرج سعيد بن العاص من الكوفة بسنة وبعض أخرى بعث الأشعث بن قيس على أذربيجان وسعيد بن قيس على الري وكان سعيد بن قيس على همذان فعزل وجعل عليها النسير العجلي وعلى أصبهان السايب بن الأقرع وعلى ماه مالك بن حبيب اليربوعي، _________ ٢ - عن المستنير بن يزيد، عن قيس بن يزيد النخعي، ط٤ – ٣٣٠.
اجتماع الثوار على عثمان: لما رجع معاوية المسيرين٢ قالوا: إن العراق والشام ليسا لنا بدار فعليكم بالجزيرة فاتوها اختيارا فغدا عليهم عبد الرحمن بن خالد فسامهم الشدة فضرعوا له وتابعوه وسرح الأشتر إلى عثمان فدعا به وقال: إذهب حيث شئت فقال: ارجع إلى عبد الرحمن فرجع ووفد سعيد بن العاص إلى عثمان في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان وقبل مخرج سعيد بن العاص من الكوفة بسنة وبعض أخرى بعث الأشعث بن قيس على أذربيجان وسعيد بن قيس على الري وكان سعيد بن قيس على همذان فعزل وجعل عليها النسير العجلي وعلى أصبهان السايب بن الأقرع وعلى ماه مالك بن حبيب اليربوعي، _________ ٢ - عن المستنير بن يزيد، عن قيس بن يزيد النخعي، ط٤ – ٣٣٠.
1 / 44
وعلى الموصل حكيم بن سلامة الحزامي وجرير بن عبد الله على قرقيسياء وسلمان بن ربيعة على الباب وعلى الحرب القعقاع بن عمرو وعلى حلوان عتيبة ابن النهاس وخلت الكوفة من الرؤساء إلا منزوعا أو مفتونا فخرج يزيد بن قيس وهو يريد خلع عثمان فدخل المسجد فجلس فيه وثاب إليه اللذين كان فيهم ابن السوداء يكاتبهم فانقض عليه القعقاع فأخذ يزيد بن قيس فقال: إنما نستعفي من سعيد قال: هذا ما لا يعرض لكم فيه لا تجلس لهذا ولا يجتمعن إليك واطلب حاجتك فلعمري لتعطينها فرجع إلى بيته واستأجر رجلا وأعطاه دراهم وبغلا على أن يأتي المسيرين وكتب إليهم: لا تضعوا كتابي من أيديكم حتى تجيئوا فإن أهل المصر قد جامعونا١ فانطلق الرجل فأتى عليهم وقد رجع الأشتر فدفع إليهم الكتاب فقالوا: ما اسمك؟ قال: بغثر قالوا: ممن؟ قال: من كلب قالوا: سبع ذليل يبغثر النفوس لا حاجة لنا بك وخالفهم الأشتر ورجع عاصيا فلما خرج قال أصحابه: أخرجنا اخرجه الله لا نجد بدا مما صنع إن علم بنا عبد الرحمن لم يصدقنا ولم يستقلها فاتبعوه فلم يلحقوه وبلغ عبد الرحمن أنهم قد رحلوا فطلبهم في السواد فسار الأشتر سبعا والقوم عشرا فلم يفجإ الناس في يوم جمعه إلا والأشتر على باب المسجد يقول: أيها الناس إني قد جئتكم من عند امير المؤمنين عثمان وتركت سعيدا يريده على نقصان نسائكم إلى مائة درهم ورد أهل البلاء منكم إلى ألفين ويقول: ما بال أشراف النساء وهذه العلاوة بين هذين العدلين ويزعم أن فيئكم بستان قريش وقد سايرته مرحلة فما زال يرجز بذلك حتى فارقته يقول:
ويل لأشراف النساء مني ... صمحمح٢ كأني من جن
_________
١ - جامعونا: اجتمعوا معنا ووافقونا.
٢ - الصمحمح: الرجل الشديد المجتمع الألواح.
1 / 45
فاستخف الناس وجعل أهل الحجي ينهونه فلا يسمع منهم وكانت نفجة١ فخرج يزيد وأمر مناديا ينادي: من شاء أن يلحق بيزيد بن قيس لرد سعيد وطلب أمير غيره فليفعل وبقي حلماء الناس وأشرافهم ووجوههم في المسجد وذهب من سواهم وعمرو بن حريث يومئذ الخليفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها فلا تعودوا في شر قد استنقذكم الله ﷿ منه أبعد الإسلام وهديه وسنته لا تعرفون حقا ولا تصيبون بابه فقال القعقاع بن عمرو: أترد السيل عن عبابه٢؟ فاردد الفرات عن أدراجه هيهات! لا والله لا تسكن الغوغاء إلا المشرفية٣ ويوشك ان تنتضي ثم يعجون عجيج العتدان٤ ويتمنون ما هم فيه فلا يرده الله عليهم أبدا فاصبر فقال: أصبر وتحول إلى منزله وخرج يزيد بن قيس حتى نزل الجرعة ومعه الأشتر وقد كان سعيد تلبث في الطريق فطلع عليهم سعيد وهم مقيمون له معسكرون فقالوا: لا حاجة لنا بك فقال: فما إختلفتم الآن إنما كان يكفيكم أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلا وتضعوا إلي رجلا وهل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل؟ ثم انصرف عنهم وتحسوا بمولى له على بعير قد حسر فقال: والله ما كان ينبغي لسعيد أن يرجع فضرب الأشتر عنقه ومضى سعيد حتى قدم على عثمان فأخبره الخبر فقال: ما يريدون أخلعوا يدا من طاعة؟ قال: اظهروا أنهم يريدون البدل.
_________
١ - أي ضجة. ط٤ – ٣٣١.
٢ - أي عن ارتفاعه وكثرته.
٣ - المشرفية: ضرب من السيوف ينسب إلى مشارف، وهي قرى قرب حوران في جنوبي سوريا.
٤ - العتود: الجدي إذا بلغ الحول وجمعه عتدان.
1 / 46
قال: فمن يريدون؟ قال: أبا موسى قال: أثبتنا أبا موسى عليهم ووالله لا نجعل لأحد عذرا ولا نترك لهم حجة ولنصبرن كما أمرنا حتى نبلغ ما يريدون ورجع من قرب عمله من الكوفة ورجع جرير من قرقيسياء وعتيبة من حلوان وقام أبو موسى فتكلم بالكوفة فقال: أيها الناس لا تنفروا في مثل هذا ولا تعودوا لمثله إلزموا جماعتكم والطاعة وإياكم والعجلة اصبروا فكأنكم بأمير قالوا: فصل بنا قال: لا إلا على السمع والطاعة لعثمان بن عفان قالوا: على السمع والطاعة لعثمان.
[قال عبد الله بن عمير الأشجعي] ١: قام من المسجد في الفتنة فقال: أيها الناس اسكتوا فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من خرج وعلى الناس امام - والله ما قال: عادل - ليشق عصاهم ويفرق جماعتهم فاقتلوه كائنا من كان".
[وفي رواية أخرى] ٢.
لما استعوى يزيد بن قيس الناس على سعيد بن العاص خرج منه ذكر لعثمان فأقبل إليه القعقاع بن عمرو حتى أخذه فقال: ما تريد؟ ألك علينا في أن نستعفي سبيل؟ قال: لا فهل إلا ذلك قال: لا قال: فاستعف واستجلب يزيد أصحابه من حيث كانوا فردوا سعيدا وطلبوا أبا موسى فكتب إليهم عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد امرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد والله لأفرشنكم عرضي ولأبذلن لكم صبري
_________
١ - عن يحي بن مسلم، عن واقد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمير الأشجعي، ط٤ – ٣٣٦.
٢ - عن محمد وطلحه، واستعوى القوم: دعاهم إلى الفتنه.
1 / 47
ولأستصلحنكم بجهدي فلا تدعوا شيئا أحببتموه لا يعصي الله فيه إلا سألتموه ولا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منه أنزل فيه عندما أحببتم حتى لا يكون لكم علي حجة.
وكتب بمثل ذلك في الأمصار فقدمت إمارة أبي موسى وغزو حذيفة وتأمر أبو موسى ورجع العمال إلى أعمالهم ومضى حذيفة إلى الباب.
دعوة عبد الله بن سبأ: كان عبد الله بن سبأ يهوديا١ من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عن أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ ٢ فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصى محمد ثم قال: محمد خاتم الانبياء وعلى خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ﷺ ووثب على وصي رسول الله ﷺ وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله ﷺ فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم واظهروا _________ ١ - عن عطية، عن يزيد الفقعسي ط٤ – ٣٤٠. ٢ - سورة القصص، الآية: ٨٥.
دعوة عبد الله بن سبأ: كان عبد الله بن سبأ يهوديا١ من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عن أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ ٢ فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصى محمد ثم قال: محمد خاتم الانبياء وعلى خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ﷺ ووثب على وصي رسول الله ﷺ وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله ﷺ فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم واظهروا _________ ١ - عن عطية، عن يزيد الفقعسي ط٤ – ٣٤٠. ٢ - سورة القصص، الآية: ٨٥.
1 / 48
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر.
فبث دعاته١ وكاتب من كان استفسد من الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار كتبا يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان٢ قالوا: فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله ما جاءني إلا السلامة قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال: فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وقالوا جميعا:
_________
١ - ط ٤ – ٣٤١.
٢ - أي اشتراك مع الراوي في الرواية محمد وطلحة اعتبارا من هذه النقطة. ويستنتج من هذا الكلام، أن عبد الله بن سبأ لم يكن إلا أحد أفراد جماعة سرية مؤلفة من اليهود وغيرهم. كانت تعمل جاهدة وفق مخطط مدروس لتحطيم الوحدة الإسلامية والقضاء على دولة المسلمين من داخلها بعد ما عجزت تلك القوى عن مجابهة المسلمين في ميادين القتال.
1 / 49
الأمر أمر المسلمين إلا أن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون١ عليهم واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمارا قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حجران وكنانة ابن بشر.
_________
١ - في نسخة يقيمون.
مشاورات عثمان مع ولاته: كتب عثمان٢ إلى أهل الأمصار: أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون وآخرون يضربون فيامن ضرب سرا وشتم سرا من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين. فلما قرئ في الأمصار ابكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه: عبد الله بن عامر ومعاوية وعبد الله بن سعد وأدخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال: ويحكم! ما هذه الشكاية؟ وما هذه الاذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب٣ هذا إلا بي فقالوا: له: ألم تبعث! ألم نرجع إليك الخبر _________ ٢ - عن محمد وطلحة وعطية، ط ٤- ٣٤٢. ٣ - يعصب بي: أي يناط بي.
مشاورات عثمان مع ولاته: كتب عثمان٢ إلى أهل الأمصار: أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون وآخرون يضربون فيامن ضرب سرا وشتم سرا من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين. فلما قرئ في الأمصار ابكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه: عبد الله بن عامر ومعاوية وعبد الله بن سعد وأدخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال: ويحكم! ما هذه الشكاية؟ وما هذه الاذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب٣ هذا إلا بي فقالوا: له: ألم تبعث! ألم نرجع إليك الخبر _________ ٢ - عن محمد وطلحة وعطية، ط ٤- ٣٤٢. ٣ - يعصب بي: أي يناط بي.
1 / 50
عن القوم١ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا وما كنت لنأخذ به أحدا فيقيمك على شيء وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها قال: فأشيروا علي فقال: سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم.
وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم.
قال معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتها جميعا اللين.
وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد علي حجة حق وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا ولا نفسي ووالله إن رحا الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان
_________
١ - في ابن الأثير "العوام".
1 / 51
إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها.
فلما نفر عثمان أشخص معاوية وعبد الله بن سعد إلى المدينة ورجع ابن عامر وسعيد معه ولما استقل عثمان رجز الحادي:
قد علمت ضوامر المطي ... وضامرات عوج القسي
أن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف رضي
وطلحة الحامي لها ولي
فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الأمير والله بعده صاحب البغلة - وأشار إلى معاوية.
ما زال معاوية يطمع فيها١ بعد مقدمه على عثمان حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم ثم ارتحل فحدا به الراجز:
أن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف رضي
قال كعب: كذبت! صاحب الشهباء بعده - يعني معاوية - فأخبر معاوية فسأله عن الذي بلغه قال: نعم أنت الأمير بعده ولكنها والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي هذا فوقعت في نفس معاوية.
[وشاركهم في هذا المكان أبو حارثة وأبو عثمان عن رجاء بن حيوة وغيره قالوا:]: فلما ورد عثمان المدينة رد الأمراء إلى أعمالهم فمضوا جميعا وأقام
_________
١ - عن بدر بن الخليل بن عثمان بن قطبة الأسدي، عن رجل من بني أسد، ط ٤ - ٣٤٣.
1 / 52
سعيد بعدهم فلما ودع معاوية عثمان خرج من عنده وعليه ثياب السفر متقلدا سيفه متنكبا قوسه فإذا هو بنفر من المهاجرين فيهم طلحة والزبير وعلي فقام عليهم فتوكأ على قوسه بعدما سلم عليهم ثم قال: إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان إذ الناس يتغالبون إلى رجال فلم يكن منكم أحد إلا وفي فصيلته من يرئسه ويستبد عليه ويقطع الأمر دونه ولا يشهده ولا يؤامره حتى بعث الله جل وعز نبيه ﷺ وأكرم به من اتبعه فكانوا يرئسون من جاء من بعده وأمرهم شورى بينهم يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد فإن أخذوا بذلك وقاموا عليه كان الأمر أمرهم والناس تبع لهم وإن أصغوا إلى الدنيا وطلبوها بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى من كان يرئسهم وإلا فليحذروا الغير فإن الله على البدل قادر وله المشيئة في ملكه وأمره إني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك ثم ودعهم ومضى فقال علي: ما كنت أرى أن في هذا خيرا فقال الزبير: لا والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه الغداة.
وكان معاوية١ قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله ﷺ بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي قال: فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك قال أنا أقتر على جيران رسول الله ﷺ الارزاق بجند تساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين لتغتالن أو لتغزين قال: حسبي الله ونعم الوكيل وقال: معاوية يا أيسار الجزور وأين أيسار الجزور ثم خرج حتى وقف على النفر ثم مضى.
_________
١- الحديث هنا لسيف عن شيوخه. ط ٤ – ٣٤٥.
1 / 53
المواجهة الأولى سنة ٣٤ هـ١:
وقد كان أهل مصر كاتبوا أشياعهم من أهل الكوفة وأهل البصرة وجميع من أجابهم أن يثوروا خلاف أمرائهم واتعدوا٢ يوما حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم ذلك لأحد منهم ولم ينهض إلا أهل الكوفة فإن يزيد بن قيس الأرحبي ثار فيها واجتمع إليه أصحابه وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو فأتاه فأحاط الناس بهم وناشدوهم فقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء فوالله إني لسامع مطيع وإني للازم لجماعتي إلا أني أستعفي ومن ترى من إمارة سعيد فقال: استعفى الخاصة من أمر قد رضيته العامة؟ قال: فذاك إلى أمير المؤمنين فتركهم والاستعفاء ولم يستطيعوا أن يظهروا غير ذلك فاستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة واجتمع الناس على أبي موسى وأقره عثمان رضي الله تعالى عنه ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج إلى الأمصار وكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ويسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه فتوافوا بالمدينة وأرسل عثمان رجلين: مخزوميا وزهريا فقال: انظرا ما يريدون واعلما علمهم - وكانا ممن قد ناله من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم يضطغنا - فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون فقالا:: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة نفر فقالا:: هل إلا؟ قالوا: لا قالا:: فكيف تريدون أن تصنعوا؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأنا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه فإن أبى قتلناه وكانت إياها فرجعا إلى عثمان بالخبر فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك أن لم تسلمهم شقوا.
_________
١ - ط ٤ – ٣٤٥.
٢ - اتعدوا: تواعدوا.
1 / 54