234

Fisal Fi Milal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Daabacaha

مكتبة الخانجي

Goobta Daabacaadda

القاهرة

وَسلم وَفِي ذَلِك الْكِفَايَة والغنا عَن قَول كل قَائِل بعده وَقد حَاج ابْن عَبَّاس الْخَوَارِج وَمَا علمنَا أحدا من الصَّحَابَة ﵃ نهى عَن الِاحْتِجَاج فَلَا معنى لرأي من جَاءَ بعدهمْ فَكَانَ كَلَام هَذِه الطَّائِفَة مغريًا للطائفة الأولى بكفرها ومغطا لَهُم لشركهم إِذْ لم يرَوا فِي خصومهم فِي الْأَغْلَب إِلَّا من هَذِه صفته ثمَّ زَادَت هَذِه الطَّائِفَة الثَّانِيَة غلوًا فِي الْجُنُون فعابوا كتبنَا لَا علم لَهُم بهَا وَلَا طالعوها وَلَا رَأَوْا مِنْهَا كلمة وَلَا قراؤها وَلَا أخْبرهُم عَن مَا فِيهَا ثِقَة كالكتب الَّتِي فِيهَا هَيْئَة الأفلاك ومجاري النُّجُوم والكتب الَّتِي جمعهَا أرسطاطاليس فِي حُدُود الْكَلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه الْكتب كلهَا كتب سَالِمَة مفيدة دَالَّة على تَوْحِيد الله ﷿ وَقدرته عَظِيمَة الْمَنْفَعَة فِي انتقاد جَمِيع الْعُلُوم وَعظم مَنْفَعَة الْكتب الَّتِي ذكرنَا فِي الْحُدُود فَفِي مسَائِل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بهَا يعْتَرف كَيفَ التَّوَصُّل إِلَى الاستنباط وَكَيف تُؤْخَذ الْأَلْفَاظ على مقتضاها وَكَيف يعرف الْخَاص من الْعَام والمجمل من الْمُفَسّر وَبِنَاء الْأَلْفَاظ بَعْضهَا على بعض وَكَيف تَقْدِيم الْمُقدمَات وإنتاج النتائج وَمَا يَصح من ذَلِك صِحَة ضَرُورِيَّة أبدا وَمَا يَصح مرّة وَمَا يبطل أُخْرَى وَمَا لَا يَصح الْبَتَّةَ وَضرب الْحُدُود الَّتِي من شَذَّ عَنْهَا كَانَ خَارِجا عَن أَصله وَدَلِيل الْخطاب وَدَلِيل الاستقراء وَغير ذَلِك مِمَّا لَا غناء بالفقيه الْمُجْتَهد لنَفسِهِ وَلأَهل مِلَّته عَنهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَلَمَّا رَأينَا عَظِيم المحنة فِيمَا تولد فِي الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذكرنَا رَأينَا من عَظِيم الْأجر وَأفضل الْعَمَل بَيَان هَذَا الْبَاب الْمُشكل بحول الله تَعَالَى وَقدرته وتأييده فَنَقُول وَبِه ﷿ نتأيد ونستعين إِن كل مَا صَحَّ ببرهان أَي شَيْء كَانَ فَهُوَ فِي الْقُرْآن وَكَلَام النَّبِي ﷺ مَنْصُوص مسطور يُعلمهُ كل من أحكم النّظر وأيده الله تَعَالَى بفهم وَأما كل مَا عدا ذَلِك مِمَّا لَا يَصح ببرهان وَإِنَّمَا هُوَ إقناع أَو شغب فالقرآن وَكَلَام النَّبِي ﷺ مِنْهُ خاليان وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ومعاذ الله أَن يَأْتِي كَلَام الله ﷾ وَكَلَام نبيه ﷺ بِمَا يُبطلهُ عيان أَو برهَان إِنَّمَا ينْسب هَذَا إِلَى الْقُرْآن وَالسّنة من لَا يُؤمن بهما وَيسْعَى فِي إبطالهما ﴿ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ﴾ ولسنا من تَفْسِير الْكَلْبِيّ الْكذَّاب وَمن جرى مجْرَاه فِي شَيْء وَلَا نَحن من نقل المتهمين فِي شَأْن إِنَّمَا نحتج بِمَا نَقله الْأَئِمَّة الثقاة الْأَثْبَات من رُؤَسَاء الْمُحدثين مُسْندًا فَمن فتش الحَدِيث الصَّحِيح وجد فِيهِ كل مَا قُلْنَاهُ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَإِنَّمَا الْبَاطِل مَا ادَّعَتْهُ الطَّائِفَة الأولى من نطق الْكَوَاكِب وتدبيرها وَهَذَا كفر لَا حجَّة عِنْدهم على مَا قَالُوهُ مِنْهُ أَكثر من أَن المحتج لَهُم قَالَ لما كُنَّا نعقل وَكَانَت الْكَوَاكِب تدبرنا كَانَت أولى بِالْعقلِ منا وَهَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ لَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْكَوَاكِب وَإِن كَانَ لَهَا تَأْثِير فِي الْعَالم ظَاهر فَلَيْسَ تأثيرها تَأْثِير ملك وَاخْتِيَار يدل على ذَلِك مَا قد ذَكرْنَاهُ فِي كتَابنَا هَذَا من الدَّلَائِل على أَن الْكَوَاكِب مضطرة لَا مختارة وَإِنَّمَا تأثيرها كتأثير النَّار بالإحراق وَالْمَاء بالتبريد والسم بإفساد المزاج وَالطَّعَام بالتغذية

2 / 77