151

Fisal Fi Milal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Daabacaha

مكتبة الخانجي

Goobta Daabacaadda

القاهرة

فَنعم هَذَا حق على ظَاهره كَمَا هُوَ وَقد قُلْنَا أَن الله تَعَالَى أنزل التَّوْرَاة وَحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا كموسى وَهَارُون وَدَاوُد سُلَيْمَان وَمن كَانَ بَينهم من الْأَنْبِيَاء ﵈ وَمن كَانَ فِي أزمانهم من الربانبين والأحبار الَّذين لم يَكُونُوا أَنْبيَاء بل كَانُوا حكامًا من قبل الْأَنْبِيَاء ﵈ وَمن كَانَ فِي أزمانهم من الربانيين والأحبار قبل حُدُوث التبديل هَذَا نَص قَوْلنَا وَلَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة أَنَّهَا لم تبدل بعد ذَلِك أصلا بِنَصّ وَلَا بِدَلِيل وَأما من ظن لجهله من الْمُسلمين أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي رجم النَّبِي ﷺ للْيَهُود بَين اللَّذين زينا وهما مُحْصَنَانِ فقد ظن الْبَاطِل وَقَالَ بِالْكَذِبِ وَتَأَول الْمحَال وَخَالف الْقُرْآن لِأَن الله تَعَالَى قد نهى نَبينَا ﵇ عَن ذَلِك نصا بقوله ﴿وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب ومهيمنًا عَلَيْهِ فاحكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم عَمَّا جَاءَك من الْحق لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجًا وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة﴾ وَقَالَ عزوجل ﴿وَلَا تتبع أهواءهم واحذرهم أَن يفتنوك عَن بعض مَا أنزل الله إِلَيْك﴾
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ فَهَذَا نَص كَلَام الله عزوجل الَّذِي مَا خَالفه فَهُوَ بَاطِل وَأما قَوْله تَعَالَى ﴿وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ﴾ فَحق على ظَاهره لِأَن الله تَعَالَى أنزل فِيهِ الْإِيمَان بِمُحَمد ﷺ وَاتِّبَاع دينه وَلَا يكونُونَ أبدا حاكمين بِمَا أنزل الله تَعَالَى فِيهِ إِلَّا باتبَاعهمْ دين مُحَمَّد ﷺ فَإِنَّمَا أَمرهم الله تَعَالَى بالحكم بِمَا أنزل فِي الْإِنْجِيل الَّذِي ينتمون إِلَيْهِ فهم أَهله وَلم يَأْمُرهُم قطّ تَعَالَى بِمَا يُسمى إنجيلًا وَلَيْسَ بإنجيل وَلَا أنزلهُ الله تَعَالَى كَمَا هُوَ قطّ وَالْآيَة مُوَافقَة لقولنا وَلَيْسَ فِيهَا أَن الْإِنْجِيل لم يُبدل لَا بِنَصّ وَلَا بِدَلِيل إِنَّمَا فِيهِ إِلْزَام النَّصَارَى الَّذين يتسمون بِأَهْل الْإِنْجِيل أَن يحكموا بِمَا أنزل الله فِيهِ وهم على خلاف ذَلِك وَأما قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم لأكلوا من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم﴾ فَحق كَمَا ذَكرْنَاهُ قبل وَلَا سَبِيل لَهُم إِلَى إِقَامَة التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل المنزلين بعد تبديلهما إِلَّا بِالْإِيمَان بِمُحَمد ﷺ فيكونون حِينَئِذٍ مقيمين للتوراة وَالْإِنْجِيل حَقًا لإيمانهم بالمنزل فيهمَا وجحدهم مَا لم ينزل فيهمَا وَهَذِه هِيَ إقامتهما حَقًا وَأما قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين أُوتُوا الْكتاب آمنُوا بِمَا نزلنَا مُصدقا لما مَعكُمْ﴾ فَنعم هَذَا عُمُوم قَامَ الْبُرْهَان على أَنه مَخْصُوص وَأَنه تَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ مُصدقا لما مَعكُمْ من الْحق لَا يُمكن غير هَذَا لأننا بِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَن مَعَهم حَقًا وباطلًا وَلَا يجوز تَصْدِيق الْبَاطِل أَلْبَتَّة فصح أَنه إِنَّمَا أنزلهُ تَعَالَى مُصدقا لما مَعَهم من الْحق وَقد قُلْنَا إِن الله تَعَالَى أبقى فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل حَقًا ليَكُون حجَّة عَلَيْهِم وزائد فِي خزيهم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَبَطل تعلقهم بشيءٍ مِمَّا ذكرنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وبلغنا عَن قوم من الْمُسلمين يُنكرُونَ بجهلهم القَوْل بِأَن التَّوْرَاة والانجيل الَّذين بأيدي الْيَهُود وَالنَّصَارَى محرفان وَإِنَّمَا حملهمْ على هَذِه قلَّة اهتبالهم بنصوص الْقُرْآن وَالسّنَن أَتَرَى هَؤُلَاءِ مَا سمعُوا قَول الله تَعَالَى ﴿يَا أهل الْكتاب لم تلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتمون الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿وَإِن فريقًا مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ﴾

1 / 159