قصة الفردوس
الأديب يدخل الجنة
الأديب يركب زورقا في الجنة
مأدبة جامعة في قصر الشيخ محمد عبده بالجنة
قصة الفردوس
الأديب يدخل الجنة
الأديب يركب زورقا في الجنة
مأدبة جامعة في قصر الشيخ محمد عبده بالجنة
الفردوس
الفردوس
Bog aan la aqoon
تأليف
عبد الرحمن البرقوقي
قصة الفردوس
بسم الله الرحمن الرحيم، ومنه سبحانه وتعالى نستمد العون والتيسير.
أما بعد؛ فهذه نظرات وفكر، آمل أن تكون موفقة بعيدة الأثر، و«ثمرات أوراق» يانعات،
1
أرجو أن تكون حبيبة إلى القلوب سائغات، وشطحات أشتات
2
بين حق وما يشبه الباطل، وجد وما يشاكل الهزل الهازل، ومناقلات أبكار،
3
Bog aan la aqoon
وضعتها على ألسنة أعلام بررة أخيار، ومثاقفات عذراوات عزوتها إلى أديب أولع بالأدب العربي القديم، وآثاره العبقريات الأوابد
4
من نثير ونظيم. •••
حوال سنة 1906م دعاني إليه، المأسوف عليه، إمام اللغة و«البيان» في عصره، الشيخ إبراهيم اليازجي، وكان قد «نظمني وإياه ود قديم، ولف هواي بهواه عهد كريم»، حتى إذا أجبته ناولني دفترا مخطوطا، وقال: هذه رسالة الغفران للمعري، كلفني الوراق الناشر المشهور «أمين هنديه» أن أصححها وأضبطها بالشكل الكامل كي يخرجها بالطبع على هذا الوضع، فنصحت له بأن تقوم أنت بهذه المهمة التي أراها
5
شاقة مضنية، ولكنك - إن شاء الله - بمثلها زعيم
6 ...
فقرأت الرسالة، ثم توفرت على ضبطها بعد أن اقترحت على الناشر شرحها، فأبى إلا طبعها مجردة من الشرح، فكان، وكان أن سحرت بهذه رسالة الغفران، وكان من أثر هذا السحر أن فكرت في عمل أنحو فيه هذا المنحى، من جهة المظهر والمبنى، لا من جهة المخبر والمعنى، وأحتذي فيه على هذا الحذو البديع، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع.
7
فاستخرت الله تعالى فخار لي، وصممت على ارتسام ما رسمت، وأخذت في هذا العمل على النحو الذي ترى ... وأسميته «الفردوس أو سياحة في الآخرة»، وكتبت آنئذ طائفة من الكلام تنتهي بوصول الأديب إلى قصر شيخنا الأستاذ الإمام «محمد عبده» في الجنة، ثم صرفتني عنه تصاريف الأيام، وخطر الدهر من خطراته،
Bog aan la aqoon
8
وتصرمت السنون، وتجرمت الدهور،
9
حتى إذا كانت سنة 1927 زارني أحد أصدقائي من كتاب إحدى المجلات الأسبوعية، وسألني شيئا ينشره لي، فعرضت عليه أشياء من بينها هذه القطعة من «الفردوس»، فأخذ في إذاعتها، فحفزني ذلك إلى إتمامها، فخطوت فيها خطوات رغيبات
10 ...
وأخيرا، وفي هذه الأيام، اقترح علي أخ لي كريم أن أبادر بطبع هذا «الفردوس» منجما على أسفار، على الرغم من غلاء الأسعار، فامتثلت وأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى، لا لشيء سوى أنني أخشى ألا يروق مثل هذا الأسلوب طائفة من مثقفي هذا الجيل، لما يغلب على بعض مواضعه من الغريب والصناعة البيانية، من تشبيه واستعارة وسجع وازدواج وتضمين واقتباس ووصف مسهب، وما إلى ذلك مما قد ينبو به ذوق فئام
11
من أدباء هذه الأيام ... بيد أني أظن أن هناك على هذا جمهرة متوافرة من عشاق البيان، ولغة الضاد والفرقان، قد يقع منهم مثل هذا العمل موقعا تراح له نفوسهم،
12
وتصبو إليه أفئدتهم، لا من جهة عرضه هذا العرض المستطرف - وأستغفر الله - فحسب، ولكن لهذا، ولما تضمنه من فكر وآراء هي نتاج التجاريب، وثمار الاطلاع والبحث والتنقيب، يظاهر ذلك حق صراح، وصدق صادق محض براح
Bog aan la aqoon
13 ...
على أن ما قد يلاحظ من ضروب الصناعة إنما يكثر في صدر «الفردوس» لا في سائره، وفي أوائل عرضه لا في أوساطه وأواخره، إذ وشي هذا القسم أيام الشباب، وجنون الغرام بالأدب المزور اللباب،
14
أما ما يفرط من القلم أحيانا مما هو بالهزل والمجون أشبه، فإنما الهدف فيه، بعد الإحماض والتفكيه،
15
هو الاستعانة على ما وراء ذلك، من دقيق الأغراض وخفي المسالك، ورحم الله من قال: إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو والباطل؛ ليكون ذلك أعون لها على الحق ... أو كما قال. «وأما بعد» فإن هذا «الفردوس» إنما هو - كما ترى - وصلة إلى عرض أنماط مختلفة من الكلام، وألوان شتى من القول، في كل ما عسى أن يفكر فيه المفكرون، من ضروب العلم والعرفان، وأفانين الثقافة والبيان، وسيطول هذا «الفردوس» ويستوسع، حتى لقد يستوعب عدة أسفار، وحتى ليصح أن يعد هذا السفر غيضا من فيض ، بالإضافة إلى سائر الكتاب.
والله سبحانه هو الموفق إلى إتمام هذا العمل، وأن يجعل القبول حليفه، ورضا الناطقين بالضاد عنه أليفه، إنه سميع الدعاء، وهو حسبي ونعم الوكيل.
عبد الرحمن البرقوقي
ربيع الآخر سنة 1359ه/مايو سنة 1940م •••
حدث أديب ثبت
Bog aan la aqoon
16
ثقة قال:
إني لفي بيتي ذات ليلة من الليالي، وقد تزويت في زاوية من السرير،
17
وبالقرب مني مصباحي الإضحيان المنير،
18
ثم أخذت أنزه النفس، وأجلو صدأ الحس، في روضة من رياض الكتب والأسفار، ونزهة من نزه الأدب والآثار، أجتلي أنوارها،
19
وأجتني من كثب أثمارها،
20
Bog aan la aqoon
وأتفيأ ظلها الوارف الظليل،
21
وأنسم روحها الندي العليل،
22
ويرتع قلبي من جنباتها في مرتع خصيب، ويكتسي لبي من أوراقها بثوب من الحكمة قشيب،
23
وأنفي الهم برحيق كوثرها عن ساحة صدري،
24
وأكرع من جداولها العذاب النطاف وهي بين سحري ونحري،
25
Bog aan la aqoon
وأستشفي بترياقها من علل هذا الناس وأدوائه،
26
ومن بلايا هذا العالم المنكوس وأرزائه.
27
عالم أشبهوا القرود ولكن
خالفوها في خفة الأرواح •••
يحسن مرأى لبني آدم
وكلهم في الذوق لا يعذب
ما فيهم بر ولا ناسك
إلا إلى نفع له يجذب
Bog aan la aqoon
أفضل من أفضلهم صخرة
لا تظلم الناس ولا تكذب •••
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
وما زلت في هذه الروضة الذهنية، وهاتيك النزهة الروحية العلوية، إلى أن شمر الدجى للرحيل الذيل، وكاد النهار يصيح بجانب الليل.
28
وقد فكت الظلماء بعض قيودها
وقد قام جيش الليل للفجر واصطفا
وكان البيت لا يحتوي أحدا غيري، فكان الصدر وكنت في طيه السر المكتم، وكان الحامل العشراء وكنت الجنين غير التوأم،
29
Bog aan la aqoon
وكان الجفن وكنت فيه السلاح،
30
وكان السحاب المركوم، وكان مصباحي البارق اللماح.
31
وإني لكذلك؛ إذ طرق باب غرفتي طرقا خفيفا، ثم قرع بعد هنية طرقا عنيفا، فانتبهت مما أنا فيه، ومشى قلبي في صدري حتى شاع الذعر في جميع نواحيه، وقلت في نفسي: ترى من بالباب؟! ومن الطارق المنتاب؟!
32
أملك كريم، أم شيطان رجيم؟ وانثالت الهواجس على قلبي انثيالا،
33
وتقاطرت الوساوس على صدري أرسالا ،
34
Bog aan la aqoon
وإني لمرتطم في هذه الغمرة،
35
وغاشية هاتيك السكرة،
36
إذ تحرك الباب في سكون، وفتح في رفق ولين حتى لا تكاد تحس اختلاجه الظنون،
37
ثم اقتحم الغرفة شبح نوراني، مفرغ في قالب إنساني، يسطع النور حواليه، ويرفرف روح الجلال والروعة عليه:
فتى روحه روح بسيط كيانه
ومسكن ذاك الروح نور مجسد
صفى ونفى عنه القذى فكأنه
Bog aan la aqoon
إذا ما استشفته العيون مصعد
38 •••
تنفذ العين فيه حتى تراها
أخطأته من رقة المستشف
كهواء بلا هباء مشوب
بضياء أرقق بذاك وأصف
فلا تسل بعد ذلك عما دهاني، فقد قبعت كالقنفذ في مكاني، وبراني الرعب حتى لتقتحمني العين ولا تكاد تراني، وتقلصت من الفم الشفتان، وكادت تنقطع نياط الجنان
39
ونال مني الخوف حتى أحالني عرضا،
40
Bog aan la aqoon
بعد أن أوسعني حرضا،
41
وفغر الموت فاه،
42
وكادت تطير من جسمي الحياة، ولم يبق في إلا نفس خافت، وعين إنسانها باهت:
43
روح تردد في مثل الخلال إذا
أطارت الريح عنه الثوب لم يبن
وجملة القول أني استحلت إلى حال:
يكاد وجيب قلوب الرجال
Bog aan la aqoon
من خوف مكروهها يسمع
44 •••
لقد خفت حتى خلت أن ليس ناظر
إلى أحد غيري فكدت أطير
وليس فم إلا بسري محدث
وليس يد إلا إلي تشير
ثم لمحت الخيال وقد أخذ يتخطر في الغرفة بين جيئة وذهوب وغدو ورواح، وبعد خطوات معدودات وقف الخيال، وانتصب أمامي انتصاب التمثال، واستقبلني كما يستقبل المصلي الإمام، أو بيت الله الحرام، ثم حدقني مبرقا بعينيه، وأتأر إلي - ساهم الوجه - ناظريه،
45
ولحظته وكأنه أشفق علي وخاف إن هو مضى في صمته هذا أن أفيظ،
46
Bog aan la aqoon
وألفظ النفس الأخير، فأخذ يليح بيديه إلاحة يريد أن يفرخ روعي،
47
ويميت خيفتي، ثم رأيته يترمرم،
48
وأذنت من ناحيته صوتا خفيتا رفيقا كأنه خفق النسيم في السحر:
49
لا عليك يا أخي لا عليك، وليس إلا الخير صرفا ساقه الله إليك، وليهنئك ما أنت قادم عليه
50 ... فأنا يا أخي نبي الله الخضر ... وقد أمرت أن أستصحبك وأصعد بك اليوم إلى المحل الأرفع والملكوت الأعلى، إلى حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ... فقم يا أخي، قم ولا تن وخل الهوينا
51
للضعيف، واتبعني حيثما سرت، ولست أطلب إليك إلا أن تلزم الصمت، ولا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ... •••
Bog aan la aqoon
وما كاد نبي الله الخضر يتم هذه الكلمات حتى قرت العين، وانكشف الرين، وذهب الأين، وكأنما أنشطت من عقال،
52
فلا وربك: ما البرء بعد السقم، والخصب بعد الجدب، والغنى بعد الفقر، وما طاعة المحبوب، وفرج المكروب، والوصال الدائم، والشباب الناعم، بأحلى وأروح من هذه المنهاة، التي انتهت بها هذه المأساة:
53
ما زلت في غمرات الموت مطرحا
يضيق عني وسيع الرأي من حيلي
فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي
حتى اختلست حياتي من يدي أجلي
وبعد ذلك أحسست أنا الآخر كأنني استحلت إلى جسم نوراني شفاف، وأن مادة جثماني آضت إلى معنى روحاني، وما هو إلا كلا ولا، أو كحسو الطائر الماء وقد خاف الملا،
54
Bog aan la aqoon
حتى زويت لنا الأرض،
55
ورأيتني ونبي الله في صحراء دوية براح قذف خلاء،
56
مطوقة أطرافها بآفاق السماء، واسعة الجوانب، مجهولة المذاهب، تغتال الخطى،
57
ويحار فيها القطا:
58
تجري الرياح بها حسرى مولهة
حيرى تلوذ بأطراف الجلاميد
Bog aan la aqoon
في فسحة الظنون، بيد أنه تكبو دون غاياتها الخواطر وتخسأ الأبصار،
59
في روعة الخلود، وهل للخلود روعة أروع من ذا أو انبهار!
فضاء يرد العين حسرى
يقص جناح الفكر وهو محلق
ومفازة هائلة لا تسمع فيها لواطئ همسا، ولا لنابح جرسا،
60
وجو ساج سجسج،
61
وسحر طلق روح أبلج.
Bog aan la aqoon
62
نسيمه كالراح لو يحتوى
والروح لو يعقد منحله •••
من نسيم كأن مسراه في الأر
واح مسرى الأرواح في الأجساد
وسماء زرقاء صافية، ونجوم كأنها في لجة هذا البحر دراري طافية،
63
أو أزاهر طلها الندى فهي ترف رفيفا،
64
أو قلوب لذعها الحب فهي لا تني خفوقا ووجيفا، أو هي مسامير أبواب الجنة تبص وتلتمع،
Bog aan la aqoon
65
أو هي عيون الأبدية ترنو إلينا رنوات تهيب بنا أن نستحي ونرتدع،
66
أو هي ثقوب تخترق طباق السماوات العلى، فتشع منها أنوار الإله جل وعلا، والبدر منتصب بين هاتيك الكواكب، كأنه ملك بين أجناده والمواكب، وكوكب الزهرة تأتلق في روعة لمعته، فلولا التقى لقلت جلت قدرته، والجوزاء كفأرة تسبح، أو غادة ترقص في مسرح، والحوت يسبح في السماء كما يسبح بحذق في الماء.
وبنات نعش يشتددن كأنها
بقرات رمل خلفهن جآذر •••
ورنا إلي الفرقدان كما رنت
زرقاء تنظر من نقاب أسود •••
ولاحت لساريها الثريا كأنها
على الجانب الغربي قرط مسلسل •••
Bog aan la aqoon