ومعنى قوله: لا تكلم الرواجب انسيابها بذلك أني لا أكون لهم على حالين مختلفين كحال الحية التي إذا مضت وانسابت لم تضر، والرواجب فهي مفاصل الأصابع فلم تكلمها، يقول لم تجرحها من لين مسها؛ لأن الحية إذا مضت على الشيء فليس تجرحه من لينها، وإذا نهشت قتلت، فلها حالتان فنهشها يقتل ومسها لين لا يضر، فيقول لا أكون لهم مظهرا لجميل ومضمرا لقبيح، ولا أستحل ذلك بل أكون لهم على حال واحد من البر والحفظ.
صبور على محن كلامهم كالطود الذي ينشق عنه الآتي فلا يرقى إليه البذي عزوف عن مبرم الهجر وسحيل الغدر قد شغله ما امتحن في جوانحه من معرفة فرائض ربه ورتق ما ثغر من شريعة جده عن دبيب القوارض ومقارفة القانص لا يرام -ولله المنة- بو الآثام، وألا ينقاد للخطل أبدا في خطام معرفة بفضل الأرحام وحفظ الإسلام ورعاية لما أمر به ذو العزة والإكرام وربا لحق سلق قد فاظ وحفظا عن الواعر المغتاظ.
معنى الطود فهو الجبل، والآتي فهو السيل إذا غشى ركن الجبل
انشق عنه ولم يضره، يقول يزيح عني كلام من يتكلم ولا يضرني كما ينشق السيل عن الجبل.
ومعنى لا يرقى إليه البذي يقول لا يناله البذي ولا يطلع إليه، والبذي فهو ذو الخصومة والبذاء من الرجال، قال الكميت في الآتي:
ينشق عن حده الآتي ما للمآثم أنقست
يعني بالآتي السيل وهو الذي يجيء إلى البلد من غيرها فلا يعلم به حتى يغشى.
ومعنى عن مبرم الهجر وسحيل الغدر، يقول تركت وأعرضت عن مبرم الهجر وسحيل الغدر، والسحيل [675] فهو الفرد من الخيوط، والمبرم فهما الإثنان والمفتولان معا يقول: لا أريد منه ولا أشاء مبرما ولا فردا.
ومعنى مقارفة القانص فهو مكافاته، والقانص فهو الذي يقتنص العثرات ويطلب ما يؤذي به في الحالات كما تقنص الظبا.
ومعنى لا يرام بو الآثام يقول لا آلفها ولا أستجيزها.
ومعنى الهجر، فهو السب والشتم، قال بشر بن حازم الأسدي:
إذا ما شئت جاءك هاجراني
Bogga 196