160

Fiqh Principles: Authenticity and Guidance

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه

Noocyada

الصلاة خلف الإمام القاعد مثال آخر: صلاة الإمام قاعدًا: فقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وفي رواية قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعدوًا أجمعين). ولكن النبي ﷺ صلى في مرض موته لما جاء بلال يستأذن أبا بكر في إقامة الصلاة فأذن له فأم أبو بكر بالناس قائمًا وصلى، فجاء النبي ﷺ يتهادى ثم وضع بجانب أبي بكر، فصلى بـ أبي بكر قاعدًا وصلى أبو بكر قائمًا، وصلى الناس بصلاة أبي بكر قائمين ولم يقعدوا، فقال الشافعي: هذا آخر الأمور، صلى قاعدًا وصلى أبو بكر معه قائمًا وصلى الناس قيامًا، فلا يصلي الناس قعودًا خلف الإمام القاعد؛ لأن هذا هو آخر الأمرين، فالأول منسوخ بفعل النبي ﷺ الأخير. وإعمال الكلام يكون بأن نعمل الوصف الذي حدث فيه القعود مع النبي ﷺ، والوصف الذي صلوا فيه قيامًا نعمل به، وبهذا نكون قد أعملنا كلا الحديثين: أما الأول فإذا جاء الإمام فابتدأ الصلاة قاعدًا وجب على المأموم أن يقعد كما قعد الإمام، وهنا نكون قد أعملنا الحديث الأول الذي قال فيه النبي ﷺ بعد أن أشار إليهم أن اجلسوا: (فإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين). وإذا جاء الإمام بنفس الهيئة وهو قائم فكبر وقرأ الفاتحة، فلم يجد في نفسه الخفة وثقل عليه المرض فجلس، فلا يجلس المأمومون بل يبقى الناس على قيامهم؛ لأنه قد ابتدأ الصلاة قائمًا، وبهذا أعملنا الدليل الثاني، وهو أن أبا بكر صلى بالناس قيامًا ولما جاء النبي ﷺ قاعدًا ما قعد المأموم ولا أمر النبي ﷺ بذلك، وبذلك نكون قد أعملنا القول الأول، وأعملنا القول الثاني، وأعملنا الحديث الأول في دائرته، وأعملنا الحديث الثاني في دائرته، وهذا الراجح الصحيح من باب إعمال الكلام الأولى من إهماله.

16 / 6