99

Fiqh of Worship by al-Uthaymeen

فقه العبادات للعثيمين

Noocyada

السؤال (١٤٢): فضيلة الشيخ، ما هي مفسدات الصوم؟ وهل لها شروط؟
الجواب: نعم مفسدات الصوم هي المفطرات، وهي: الجماع، والأكل والشرب، وإنزال المني بشهوة، وما بمعنى الأكل والشرب، والقيء عمدًا، والحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، هذه ثمانية مفطرات.
أما الأكل والشرب والجماع: فدليلها قوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة: ١٨٧) .
وأما إنزال المني بشهوة: فدليله قوله تعالى في الحديث القدسي: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" (١) . وإنزال المني شهوة، لقول النبي ﷺ: " وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر" (٢) والذي يوضع إنما هو المني الدافق، ولهذا كان القول الراجح أن المذي لا يفسد الصوم حتى وإن كان بشهوة.
الخامس: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي الإبر المغذية التي يستغني بها عن الأكل والشرب، لأن هذه وإن كانت ليست أكلًا ولا شربًا لكنها بمعنى الأكل والشرب حيث يستغنى بها عنه، وما كان بمعنى الشيء فله حكمه، ولذلك يتوقف بقاء الجسم على تناول هذه الإبر، بمعنى أن الجسم يبقى على هذه الإبر وإن كان لا يتغذى بغيرها، أما الإبر التي لا تغذي ولا تقوم مقام الأكل والشرب، فهذه لا تفطر سواء تناولها الإنسان في الوريد أو في العضلات أو في أي مكان في بدنه.
والسادس: القيء عمدًا، أي: أن يتقيأ الإنسان ما في بطنه حتى يخرج من فمه، لحديث أبي هريرة ﵁، أن الني ﷺ قال: " من استقاء عمدًا فليقض، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه" (٣) . والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ بطنه من الطعام، واحتاج البدن إلى ما يرد عليه هذا الخلو، ولهذا نقول: إذا كان الصوم فرضًا فإنه لا يجوز للإنسان أن يتقيأ، لأنه إذا تقيأ ضر نفسه وأفسد صومه الواجب.
وأما السابع: وهو خروج دم الحجامة، فلقول النبي ﷺ " أفطر الحاجم والمحجوم" (٤) .
وأما خروج دم الحيض والنفاس، فلقول النبي ﷺ: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" (٥)، وقد أجمع أهل العلم على أن الصوم لا يصح من الحائض ومثلها النفساء.
وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة وهي: العلم، والذكر، والقصد، أي أن الصائم لا يفسد صومه بهذه المفسدات إلا بشروط ثلاثة:
أن يكون عالمًا بالحكم الشرعي، وعالمًا بالوقت أي بالحال، فإن كان جاهلًا بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح، لقول الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: ٢٨٦)، فقال الله تعالى: " لقد فعلت" (٦)، ولقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: ٥)، ولثبوت السنة في ذلك، ففي الصحيح من حديث عدي بن حاتم ﵁ (٧) أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد الجمل، أحدهما أسود والثاني أبيض، وجعل يأكل ويشرب حتى تبين له الأبيض من الأسود ثم أمسك، فلما أصبح غدا على رسول الله ﷺ فأخبره بذلك، فبين له النبي صلى الله عليه أنه ليس المراد بالخيط الأبيض والأسود في الآية الخيطين المعروفين، وإنما المراد بالخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود الليل أي: سواده ولم يأمره النبي ﷺ بقضاء الصوم، لأنه كان جاهلًا بالحكم يظن أن هذا هو معنى الآية الكريمة.
وأما الجهل بالوقت فلحديث أسماء بنت أبي بكر ﵂، وهو في البخاري (٨)، قالت: أفطرنا على عهد النبي ﷺ في يوم غيم ثم طلعت الشمس، ولم يأمرهم النبي ﷺ بالقضاء، ولو كان القضاء واجبًا لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلى الأمة، لقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩)، فلما لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله، علم أن النبي ﷺ لم يأمرهم به، ولما لم يأمرهم به - أي بالقضاء - علم أنه ليس بواجب، وعلى هذا فلو قام الإنسان يظن أنه في الليل فأكل أو شرب، ثم تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر، فإنه ليس عليه قضاء، لأنه كان جاهلًا.
وأما الشرط الثاني: فهو أن يكون ذاكرًا، وضد الذكر النسيان، فلو أكل أو شرب ناسيًا فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقول الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: ٢٨٦)، فقال الله تعالى: "قد فعلت" (٩)، ولحديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" (١٠) .
وأما الشرط الثالث وهو القصد، فهو أن يكون الإنسان مختارًا لفعل هذا المفطر، فإن كان غير مختار فإن صومه صحيح، سواء كان مكرهًا أم غير مكره، لقول الله تعالى في المكره على الكفر: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: ١٠٦)، فإذا كان الحكم - حكم الكفر - يرتفع بالإكراه فما دونه من باب أولى، وللحديث الذي يروى عن رسول الله ﷺ: " أن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (١١)، وعلى هذا فلو طار إلى أنف الصائم غبار ووجد طعمه في حلقه ونزل إلى معدته فإنه لا يفطر بذلك، لأنه لم يتقصده، وكذلك لو أكره على الفطر فأفطر دفعًا للإكراه فإن صومه صحيح، لأنه غير مختار، كذلك لو احتلم وهو نائم، فإن صومه صحيح، لأن النائم لا قصد له، وكذلك لو أكره الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها فإن صومها صحيح، لأنها غير مختارة، وهاهنا مسألة يجب التفطن لها، وهي أن الرجل إذا أفطر بالجماع في نهار رمضان، والصوم واجب عليه، فإنه يلزم حقه أو يترتب على جماعة أمور:
الأول: إثم.
والثاني: القضاء.
والثالث: الكفارة.
ويلزمه الإمساك بقية يومه، ولا فرق بين أن يكون عالمًا بما يجب عليه في هذا الجماع أو جاهلًا، يعني أن الرجل إذا جامع في صيام رمضان والصوم واجب عليه ولكنه لا يدري أن الكفارة تجب عليه فإن الكفارة واجبة، لأنه تعمد المفسد، وتعمده مفسد تستلزم ترتب الأحكام عليه، بل في حديث أبي هريرة (١٢) أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: " ما أهلكك؟ " قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنام صائم، فأمره النبي ﷺ بالكفارة مع أن الرجل لا يعلم عنها.
وفي قولنا: فالصوم واجب عليه، احتراز مما إذا جامع الصائم في رمضان وهو مسافر مثلًا، فإنه لا تلزمه الكفارة، مثل أن يكون الرجل مسافرًا بأهله في رمضان وهما صائمان، ثم يجامع أهله، فإنه ليس عليه كفارة، وذلك لأن المسافر إذا شرع في الصيام لا يلزمه إتمامه، إن شاء أفطر وقضى، وإن شاء استمر.
صيام الصبي

(١) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، رقم (١٨٩٤)، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم (١١٥١)
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، رقم (١٠٠٦) .
(٣) أخرجه أحمد (٢/٤٩٨)، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا، رقم (٧٢٠)، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم يقيء رقم (١٦٧٦) .
(٤) أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم، رقم (٢٣٦٧)، والترمذي، كتاب الصوم، باب كراهية الحجامة للصائم، رقم (٧٧٤)، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم، رقم (١٦٧٩) .
(٥) تقدم تخريجه ص (٢٥٣) .
(٦) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ)، رقم (١٢٦) .
(٧) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، رقم (١٩١٦)، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر،، رقم (١٠٩٠) .
(٨) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس، رقم (١٩٥٩)
(٩) تقدم تخريجه ص (١٣٠) .
(١٠) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا كان أكل أو شرب ناسيًا، رقم (١٩٣٣)، ومسلم كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، رقم (١١٥٥) .
(١١) أخرجه بن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم (٢٠٤٣)، والبيهقي في " السنن" (٦/٨٤)، والدارقطني في "السنن" (٤/١٧٠) .
(١٢) أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء..، رقم (١٩٣٦)، ومسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، رقم (١١١١) .

1 / 231