Fiqh of Quran Recitation
فقه قراءة القرآن
Daabacaha
مكتبة القدسى
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
Goobta Daabacaadda
القاهرة
Noocyada
من القرآن والسنة
من القرآن الكريم: قال تعالى:
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩)
(الإسراء: ٩)
من السنة المطهرة: قال رسول الله ﷺ:
«من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف».
أخرجه الترمذى والحاكم بسند صحيح من حديث ابن مسعود، انظر صحيح الجامع (ج ٢ ص ١١٠٤) رقم (٦٤٦٩)
1 / 3
مقدمة فضيلة الأستاذ الشيخ/ محمد الفقى
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الذى أنزل عليه كتاب لا يخلق من كثرة الرد ولا يزيد القارئ له إلا إجلالا وإعظاما. وبعد ...
فقد أتاح لى الأخ الكريم أبو خالد- سعيد عبد الجليل يوسف الاطلاع على ما قام به من جهد مشكور وبحث طيب فى «فقه قراءة القرآن الكريم» سبقه إلى القول فيه علماء أجلاء أفنوا زهرة عمر هم فى خدمة كتاب الله إلا أن آراءهم والمسائل التي أثاروها جاءت متفرقة في ثنايا موسوعاتهم مما كان يكلف الطالب لشىء منها مشقة، فجاء أخونا- نفعه الله بما قدم- يجمع هذه المتفرقات من مصادرها ونظمها فى سلك من التبويب والمعالجة السهلة الميسرة للمسائل التى سبق بها أو مسائل ذات صلة بعلوم القرآن أو أخرى رآها مطروحة على الساحة وكان عليه أن يناقشها بما تيسر له من أدوات البحث والاجتهاد والاستنباط الأمر الذى جعل من إصداره هذا مرجعا سهلا ميسرا، وفقها طيبا لقارئ القرآن وسامعه وغنية يكتفى بها فى حدود رغبته فى الوقوف على الجواب الشافى دون حاجة إلى إطالة أو إملال. كما يتيح لمن يقتنى هذا البحث أن يضعه فى مكتبته وأن يحتل منها مكانا بارزا يسهل له الرجوع إليه متى أراد ..
لقد جاء جهده المشكور انطلاقا من دعوته الجميع بضرورة العناية أولا بكتاب الله حفظا وفهما ومدارسة باعتباره المصدر الأول، وإنى إذ أحيى دعوته صادقا فإننى كذلك أعلن اعتزازى بالجهود المخلصة الأخرى التى تهتم بالسنة النبوية رواية ودراية، ولعل هذين الاتجاهين المتآزرين ينفعان شباب الإسلام فى أيامنا هذه ويخدمان القرآن والسنة مصداقا لقول رسول الله ﷺ: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتى».
هذا والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
كتبه أبو أنس/ محمد الفقى
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدى هدى محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار وبعد.
فلمّا كان القرآن الكريم هو المنهج الذى ارتضاه الله ﷾ لعباده دستورا لحياتهم فى جميع شئون الحياة لذا ضمنه ﷾ مقومات الحياة كلها على أكمل وأحسن وجه وأودع فيه علم كل شىء بحيث يفى بمطالب هذه البشرية فى حياتها الفردية والجماعية ويهديها إلى طريق الكمال فى الحياة الدنيا بقدر ما تطيق ثم إلى الحياة الأخرى فى نهاية المطاف.
فلمّا غفل المسلمون عن هذا المنهج واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة وكتاب تعبد للتلاوة فحسب لا منهج تربية للتوجيه والتكيّف ومنهج حياة للعمل والتنفيذ لم ينتفعوا من القرآن بشيء لأنهم خرجوا عن منهجه الذى رسمه العليم الخبير.
والقرآن بخصائصه الموضوعية والتعبيرية، بهذا الكمال فى تناسقه وبهذا الكمال فى العقيدة التى جاء بها، وبهذا المنهج المبرأ من القصور والنقص ومن آثار الجهل والعجز كان الحجة التى أظهرها الله ﷾ على يد نبينا محمد ﷺ وجعله تصديقا لما بين يديه من الكتب المتقدمة- فى أصل العقيدة والدعوة إلى الخير ومهيمنا عليها ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وتحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله أو أن يأتوا بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله أو بحديث مثله فما استطاعوا ولن يستطيعوا، ولا يزال التحدى قائما حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
1 / 5
قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (١).
وفى هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتى بشيء من جنسه لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعانى النافعة فى الدنيا والآخرة لا يكون إلا من عند الله الذى لا يشبهه شىء فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين فهذا القرآن لا يكون إلا من عند الله.
قال تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (٢).
وكان القرآن ينزل على النبى ﷺ منجما بعضه فى إثر بعض والنبى ﷺ يتلقاه بروحه وجوارحه معا، فكان قرآنا يمشى على الأرض وكان خلقه القرآن، وكذا تلقاه الجيل الأول من أصحاب النبى ﷺ ورضى الله عنهم ف (كان الرجل منهم إذا تعلم عشر آيات من كتاب الله لا يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ والعمل بهنّ) (٣).
وقد ثبت أن «عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أخذ فى تحصيل سورة البقرة ثمانى سنين يتعلمها بأحكامها ومعانيها وأخبارها فكذلك طال مكثه فيها» (٤).
ففتح الله لهم آفاقا من الفهم والمعرفة لم تكن لتفتح لهم لو أنهم قصدوا إلى كتاب الله بقصد القراءة أو الحفظ فحسب فهذا القرآن لا يمنح كنوزه ودرره إلا لمن يقبل عليه بهذا الشعور وبهذه الروح شعور التلقى للتنفيذ وروح المعرفة المنشئة للعمل (٥).
وكان لهذا المنهج- منهج التلقى والتعليم للتنفيذ والعمل- أكبر الأثر فى فهم هذا
_________
(١) الإسراء: ٨٨.
(٢) النساء: ٨٢.
(٣) ذكره ابن كثير (بسنده) عن ابن مسعود (ج ١ ص ٤).
(٤) رواه مالك فى الموطأ (ج ١ ص ٢٠٥) وذكره ابن عبد البر فى الاستذكار (ج ٨ ص ٩١)، وفى الطبقات لابن سعد عن ميمون أن ابن عمر تعلم سورة البقرة فى أربع سنين.
(٥) من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.
1 / 6
الدين ثم تمكّنه وتملّكه من قلوبهم فضربوا بذلك أروع الأمثلة لجيل لم يشهد له التاريخ مثيلا، فتح الله بهم مشارق الأرض ومغاربها فرضى الله عنهم ورضوا عنه.
لكن الناظر فى حال أمة القرآن فى هذه الأزمنة يجدها بعيدة كل البعد عن هدى نبينا محمد ﷺ وأصحابه فقد هجر القرآن أنواعا شتى من الهجر، بداية من هجر قراءته وسماعه، مرورا بهجر تدبره وتفهمه والعمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وانتهاء بهجر تحكيمه والتحاكم إليه، وقد جاء ليكون منهاج حياة ليقود الأمة إلى طريق أقوم، لذا فإن أعظم جريمة على وجه هذه الأرض وأكبر كبيرة على ظهر هذه الأرض أن ينحّى كتاب الله.
قال تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (١) فلا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا تناسق مع سنن الكون إلا بالرجوع إلى كتاب الله ولن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به عليه أولها، ولقد كان صلاح حال أول هذه الأمة هو التزامهم كتاب الله- ﷿ وتمسكهم به تلاوة وفهما وعملا.
لذا كان هذا الكتاب- فقه قراءة القرآن الكريم- والذى آمل أن يفتح الله به آفاقا واسعة لفهم كتاب الله وماذا أراد الله به منا.
ولقد اشتمل هذا السّفر على أبواب ثلاثة، عرضت فى الباب الأول منها لأمور مهمة يحتاج كل مسلم إلى معرفتها عن القرآن الكريم ليكون عند قراءته لهذا الكتاب العزيز على علم به، وفهم له. تبعه الباب الثانى والذى نظمت فيه هدى رسول الله ﷺ فى قراءة القرآن وعند استماعه وتوابع ذلك ليكون هديه ﷺ نموذجا يقتدى به المسلم ويستعين به على فهم كتاب الله، وتلاوته حق التلاوة، تلاوة ينعكس أثرها فى العمل والسلوك. أخيرا الباب الثالث والذى أشرت فيه لطرف من فضائل القرآن وفضائل أهله العاملين به المتمسكين بأمره المجتنبين لنهيه فكانت
_________
(١) الفرقان: ٣٠.
1 / 7
هذه الأبواب الثلاثة بمجموعها إرشادا للسالك إلى أقرب وأوضح المسالك لتلقى كتاب الله وفهمه والعمل به كما تلقاه الرعيل الأول من صحابة رسول الله ﷺ، فالعامل بما فيه عامل- إن شاء الله- بهدى رسول الله ﷺ وصحابته رضى الله عنهم.
وكما هو دأبى فقد التزمت فيما أوردته بين دفتى هذا السّفر كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ الصحيحة مع إثبات مواضع الآيات من السور، ومواضع الأحاديث من كتب السنة والتحقق من صحة سندها عن رسول الله ﷺ وإتماما للفائدة قمت بفهرست الآيات والأحاديث والآثار مرتبة حسب ورودها فى الكتاب مع اعتبار السور فى ترتيب الآيات وأحرف الهجاء فى ترتيب الأحاديث والآثار.
أما بالنسبة للمسائل الفقهية فإننى لم آل جهدا فى تحرى الأصوب واختيار الأصح وعدم التقيد بمذهب إمام خاص بل اعتماد الرأى الذى تقوم به الأدلة مع عزو القول الراجع إلى قائله والإرشاد إلى موضعه من كتب الفقه، مثل ذلك فعلت فيما له علاقة بالأصول أو القراءات أو التفسير كلّ ذلك مع التزام السهولة فى الأسلوب ومحاولة تجنب مواضع الخلاف قدر المستطاع.
فعلى كل راع من أب وأم وزوج أن يتقى الله فى نفسه وفى أولاده وبناته وزوجته ويعلمهم كتاب الله ففيه العقائد والمفاهيم والقيم والموازين والعبادات والشعائر والأخلاق والآداب فى أسلوب رائع معجز هو نور من الكلام أو كلام من النور.
كما أننى أهيب بمشايخنا الفضلاء وبإخوانى طلبة العلم المشتغلين بتعلم المصطلح والحديث عن تعلم كتاب الله المنشغلين بحفظ المتون والمنظومات عن حفظ كتاب الله أن يهتموا أولا بكتاب الله تعالى فالقرآن القرآن يا طالب العلم ولست أقرر جديدا فى هذا الميدان حين أدعو وأؤكد على ضرورة العناية بالقرآن الكريم أولا، فإن الغفلة عن القرآن الكريم والقصور فى إدراك معانيه نقص لا يجبره القراءة فى كتب الحديث فإن السنة تجىء بعد القرآن وحسن فقهها يجيء من حسن الفقه من الكتاب نفسه، فكل ما قاله أو حكم به الرسول ﷺ فهو مما فهمه من القرآن
1 / 8
فكيف يفقه الفرع من جهل الأصل؟ (١).
فيا طالب العلم- بارك الله فيك وفى علمك- كن سلفيا على جادة السلف الصالح من صحابة رسول الله ﷺ والتابعين من بعدهم.
ولتعلم أن النبع الذى استقى منه ذلك الجيل الذى رباه النبى ﷺ هو نبع القرآن نعم .. القرآن وحده، فما كان حديث رسول الله ﷺ إلا أثرا من آثار ذلك النبع، وما سنة رسول الله ﷺ إلا ترجمة لما فهمه النبى ﷺ من القرآن الكريم وعلمه ربه إياه فلنصحّح الترتيب فالقرآن أولا والسّنة الصحيحة مفسرة له ومبينة وموضحة أى تابعة له والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (٢) ومن يفعل ذلك فقد ألهم رشده.
وأنا أعلم يقينا أن مثلى ربّما لا يعطى هذا الموضوع حقه نظرا لقلة البضاعة وسعة الموضوع- ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه- ولكننى بذلت جهد المقل فإن أصبت فذاك ما أردت والفضل لله أولا وآخرا.
وإن كانت الأخرى فأستغفر الله لذنبى، ويسعدنى أن أتلقى أى تنبيه أو نصيحة أو تصحيح خطا من مشايخنا وعلمائنا- حفظهم الله- أو من إخوانى طلبة العلم.
ورحم الله امرأ أهدى إلىّ عيوبى.
وأخيرا أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من أسهم بجهد أو أعان على إتمام هذا العمل وتنقيحه ونشره بين المسلمين أخص بالذكر الوالد الفاضل الأستاذ: محمد الفقى- حفظه الله- لما أسداه إلىّ من نصح وتوجيه وإرشاد وتنبيه سائلا الله العلى القدير أن يجزل له الأجر والمثوبة.
والله الكريم أسأل أن يجعل عملى صوابا خالصا لوجهه الكريم وسببا للفوز
_________
(١) أقول هذا الكلام وأنا أعلم أنه قد لا يرضى بعض إخواننا ... لكن ليلتمس لى العذر من يعلم أن هناك من طلبة العلم من لا يحسن قراءة القرآن الكريم فضلا عن العلم به والفهم له، والله حسبى ونعم الوكيل.
(٢) فاطر: ٣٢.
1 / 9
بجنات النعيم، وأن يتم النعمة بقبوله وينفع به النفع العميم إخوانى وأحبائى وعموم المسلمين. وأن يهب لىّ نصيبا موفورا من التوفيق والاسترشاد بهديه كما خصّنا بتعليم القرآن العظيم، وبالله تعالى التوفيق وهو المستعان سبحانه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
كتبه أبو خالد/ سعيد عبد الجليل يوسف صخر ج. م. ع الغربية- سمنود
1 / 10
الباب الأول فى ظلال القرآن
فها أنا ذا أستلم قلمي لأقيد الباب الأول من معالم هذا الكتاب المبارك (١) فاتل ما أرقم لك زادك الله رشدا، وأنعم بك عينا. وإن أول ما سأسوقه بين يدى هذا الباب هو بعض التعاريف والمصطلحات ومعانى الكلمات التى ذكرت بين ثنايا هذا الكتاب مع إلقاء الضوء حول بعض أسماء وأوصاف القرآن العظيم وأقسام سوره، ثم أعرض بعض ما تميز به القرآن الكريم من خصائص، وأختم هذا الباب بلمحة تاريخية عن جمع القرآن ومنشأ القراءات، وكيف وصلنا المصحف الإمام. فأقول وبالله التوفيق.
فصل فى بعض التعاريف والمصطلحات الهامة
الفقه: لغة: العلم بالشىء والفهم له، ولكن استعماله فى القرآن الكريم يرشد إلى أن المراد منه ليس مطلق العلم، بل دقة الفهم، ولطف الإدراك، ومعرفة غرض المتكلم.
اصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية (٢).
* الباب: لغة: ما يتوصّل منه إلى غيره، اصطلاحا: اسم الجملة مختصة من الكتاب مشتملة على فصول غالبا.
_________
(١) بركته تأتى من أن كل ما فيه هو قال الله تعالى أو قال الرسول ﷺ.
(٢) من كتاب الوجيز فى أصول الفقه. د/ عبد الكريم زيدان (ص ٨) بتصرف.
1 / 11
الفصل: لغة: الحاجز بين الشيئين، واصطلاحا: اسم لجملة مختصة من الباب مشتملة على فروع ومسائل غالبا (١).
* القرآن: لغة مصدر «قرأ» وتأتى بمعنى الجمع والضم ومنه سمى القرآن لأنه يجمع السور ويضمها.
واصطلاحا: هو كلام الله المعجز المنزل على محمد ﷺ المكتوب بالمصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته (٢).
أسماء القرآن:
وقد سمّاه الله بأسماء كثيرة: منها (القرآن) ... وهو فى قوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (٣) وفيه إشارة إلى جمعه وحفظه فى الصدور.
و(الكتاب) ... وهو فى قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ (٤) وفيه إشارة إلى كتابته فى السطور.
و(الفرقان) ... وهو فى قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا (٥) وذلك لكونه فرق بين الحق والباطل.
و(الذكر) ... وهو فى قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦) وذلك لاشتماله على المواعظ وأخبار الأمم الماضية.
(التنزيل) ... وهو فى قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧) إلى غير ذلك مما ورد فى القرآن من أسماء.
_________
(١) تقريب فتح القريب المجيب لابن القاسم (ص ١١).
(٢) هناك تعاريف ومصطلحات أخرى سوف أشير إليها فى موضعها.
(٣) الإسراء: ٩.
(٤) الأنبياء: ١٠.
(٥) الفرقان: ١.
(٦) الحجر: ٩.
(٧) الشعراء: ١٩٢.
1 / 12
* أوصاف القرآن:
وقد وصفه الله بأوصاف كثيرة: منها أنه (نور) ... وهو فى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١). وذلك لأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام.
وأنه (مبين) ... وهو فى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (٢) وذلك لأنه أبان أى أظهر الحق من الباطل.
وأنه (شفاء) ... وهو فى قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣).
وأما الشفاء فلأنه يشفى من جميع الأدواء القلبية والبدنية فإذا أحسن العليل التداوى به لم يقاومه الداء أبدا.
وأنه (هدى) ... وهو فى قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٤) وأما الهدى فلأن فيه الدلالة على الحق.
وأنه (روح) ... وهو فى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا (٥) وأما الروح فلأنه تحيا به القلوب والأنفس، وكل تسمية أو وصف فهو باعتبار معنى من معانى القرآن (٦).
* أقسام القرآن:
بداية فإن الحكمة من تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمفردها معجزة وآية من آيات الله، ومنها أن القارئ لكتاب الله إذا ختم سورة يشعر أنه قد أخذ من
_________
(١) النساء: ١٧٤.
(٢) المائدة: ١٥.
(٣) الإسراء: ٨٢.
(٤) البقرة: ٢.
(٥) الشورى: ٥٢.
(٦) الأتقان فى علوم القرآن (ج ١ ص ٦٧) بتصرف.
1 / 13
كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها فيعظم عنده ما حفظه ولا يخفى ما فى ذلك من التيسير ومن الحمل على التعليم.
وسور القرآن باعتبار ما سبق وأن أشرت إليه أربعة أقسام لكل قسم منها اسم وسوف أوجز أرجح الأقوال فيها (١).
١ - السبع الطوال:
وهى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، والسابعة قيل الأنفال وبراءة معا لعدم الفصل بينهما بالبسملة، وقيل هى يونس.
٢ - المئون:
وهى التى تليها، وسميت بذلك لأن كل سورة تزيد على مائة آية أو ما يقاربها.
٣ - المثانى:
وهى التى آياتها أقل من مائة آية، وسميت بذلك لأنها تثنى فى القراءة وتكرر أكثر من الطوال والمئين.
٤ - المفصّل: «ويسمى أيضا بالمحكم» (٢).
وقيل بأن بدايته من سورة «ق» وقيل من بداية «الحجرات» ووجه تسميته بالمفصل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.
والمفصّل ثلاثة أقسام: طوالة- أوساطه- قصاره.
_________
(١) ورد فى ذكر أقسام القرآن حديث واثلة بن الأسقع وفيه سعد بن أبى بشير وفيه لين، انظر ابن كثير (ج ١ ص ٣٥).
(٢) حديث تسمية المفصل بالمحكم فى صحيح البخارى (ج ٩ ص ٨٣) مع الفتح. من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: (جمعت المحكم فى عهد رسول الله ﷺ فقلت له وما المحكم؟، قال: المفصل).
1 / 14
فطواله إلى «عم»، وأوساطه إلى «الضحى»، ومنها إلى آخر القرآن قصاره، وهذا أقرب ما قيل فيه.
فائدة فى تقسيم المصحف وتجزئته:
قامت طائفة من العلماء فقسمت القرآن ثلاثين قسما وأطلقوا على كل قسم منها اسم الجزء، ثم قسموا الجزء إلى حزبين وقسموا الحزب إلى أربعة أقسام، كل قسم منها يسمى ربعا وجرى العمل على هذه الأقسام.
ولا شك أن هذا العمل فيه من التشويق والترغيب للقارئ ما يدفعه للاستزادة فى القراءة كلما علم أنه ختم ربعا دفعه إلى قراءة الربع الثانى حتى يتم جزءا، وهكذا.
وأما تعداد سور القرآن فإنه مائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد بهم، وقيل ثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة، وثمّ أقوال أخر لا تعويل عليها.
وأما تعداد الآيات: فقد أفرده جماعة من القراء بالتصنيف وعدد الآيات توقيفى لا مجال للقياس فيه.
وعدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتا آية وست وثلاثون (١) وأطول آية فى القرآن هى آية الدّين وأطول سورة هى البقرة.
* فائدة: يترتب على معرفة الآى وعدها وفواصلها أحكام فقهية منها:
١ - اعتبارها فيمن جهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات فمن لم يستطع لعجز فى طبعه أو سوء فى فهمه فعليه التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ثم يركع (٢).
_________
(١) اتبعت فى عد آياته طريقة الكوفيين، راجع (ناظمة الزهر) للإمام الشاطبى.
(٢) فقه السنة (ج ١ ص ٢٠٣).
1 / 15
٢ - اعتبارها فى الخطبة عند من قال بوجوب قراءة آية كاملة فيها كالإمام الشافعى- ﵀ وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق (١).
٣ - اعتبارها فى السورة التى تقرأ فى الصلاة وفى قيام الليل.
٤ - اعتبارها فى الوقف كما سيأتى بيانه فى موضعه، والله الموفق للصواب.
_________
(١) نيل الأوطار (ج ٣ ص ٢٢٦).
1 / 16
فصل فى بعض خصائص القرآن الكريم
إنه ما من نبى من الأنبياء إلا وأعطى ما مثله آمن عليه البشر من كلام الله الخاص وآياته المعجزات إلى من اصطفى من رسله غير أن آيات الأنبياء السابقين ومعجزاتهم كانت حسية وقتية يؤمن بها من عاصرها وشاهدها دون من نأى بهم المكان أو تأخر بهم الزمان، وكان التشريع فيها خاصا بفئة معينة وموقوتة بزمن معين، وقد ذكر القرآن الكريم من الكتب السابقة صحف إبراهيم وصحف موسى، وثلاثة كتب هى توراة موسى وزبور داود، وإنجيل عيسى.
وهذه الصحف والكتب السابقة جميعا قد داخلها التحريف والتبديل وليس فيها ما يجزم بصحة نسبته إلى الله تعالى وممّا لا شك فيه أن للقرآن الكريم المنزلة العلية الرفيعة بين سائر الكتب التى تقدمته فى النزول، وتتجلى هذه المنزلة له بكونه شاملا لأصول الهداية البشرية مع احتوائه على أعظم منهج ربانى محقق لسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة، منهج حياة كامل ملحوظ فيه نواميس الفطرة التى تصرف النفس البشرية فى كل جوانب حياتها، وإعجازه أبعد مدى من كونه إعجازا فى النظم أو المعانى بل إعجاز عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به.
ولم لا. وهو يحمل رسالة الرشد البشرى الذى يخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل، ولله درّ من قال.
لا تذكر الكتب السوالف عنده ... طلع النهار فأطفئ القنديلا
والقرآن بهذه الطبيعة المنهجية صنع الأمة المسلمة أول مرة وبها يصنع الأمة المسلمة فى كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود بعد أن واراها ركام الجاهلية بما فيها من تصورات أوضاع وقوانين وأنظمة لا صلة لها بالإسلام (١).
_________
(١) من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.
1 / 17
ولقد خص الله ﷾ القرآن الكريم بخصائص كثيرة ينبغى لمن أراد أن يفهم القرآن أن يعيها ويدركها بعقله وبقلبه.
وإن أول هذه الخصائص أنه- أى القرآن الكريم- كلام الله الخالص غير مخلوق ولا مفترى، غير مشوب بأوهام البشر ولا بأهواء البشر، فكله من الله من ألفه إلى يائه.
ليس لجبريل منه إلا النزول به، ولا لمحمد ﷺ إلا التلقى والتبليغ قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١).
إذن فلا غرو أن تتصف أخبار هذا الكتاب بالصدق الكامل وأحكامه بالعدل المطلق. فكل ما فى القرآن من أخبار، ومواعظ وأوامر، ونواه، وتوجيهات، وتشريعات يتجلى فيها الحق كله، والخير كله والجمال كله والحكمة كلها والمصلحة كلها لأنها كلها صادرة من لدن حكيم خبير.
والخصيصة الثانية للقرآن هى التيسير فهو كتاب يسره منزله، يسر تلاوته ويسر فهمه ويسر العمل به لمن أراد، لا يكلف الإنسان شططا ولا يرهقه من أمره عسرا.
قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢).
فيستطيع كل إنسان سليم الفطرة. يقرأ القرآن أو يسمعه- أن يفهم منه ويتأثر ويستقى من منهله بقدر ما يتسع واديه.
ومن خصائص القرآن: أنه كتاب معجز على مر الأيام وتعاقب الأزمان فهو آية محمد ﷺ العظمى ومعجزته الخالدة، وللإعجاز القرآنى أوجه وجوانب عديدة فهو معجز فى لفظه وأسلوبه ونظمه وعباراته وألفاظه معجز فى موضوعه
_________
(١) الشعراء: ١٩٢، ١٩٣، ١٩٤.
(٢) القمر: ١٧.
1 / 18
ومنهجه وتشريعه معجز فيما أرشد إليه من حقائق علمية كشف وما زال يكشف عنها العلم الحديث يوما بعد يوم إلى غير ذلك من وجوه الإعجاز.
قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (١).
ومن خصائص القرآن: أنه كتاب الخلود وليس كتاب جيل ما ولا كتاب عصر ما بل هو كتاب الزمن كله قيض له الله رجالا أمناء حفظوه فى صدورهم وسطورهم، فلن تقوى عليه يد الزمان، ومن دلائل ذلك أن أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن مرت على نزول هذا القرآن ولم يزل كما أنزله الله وكما بلغه محمد ﷺ وكما تلقاه الصحابة ومن بعدهم جيلا إثر جيل محفوظا فى الصدور، متلوا بالألسنة مكتوبا بالمصاحف يستظهره مئات الآلاف من أبناء المسلمين حتى الصبيان منهم، بل حتى الأعاجم الذين لا يعرفون لغته.
قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٢).
ومن خصائص كتاب الله العزيز الشمول فهو كتاب الحياة كلها وكتاب الإنسانية كلها فليس هو لجنس دون جنس، ولا لوطن دون وطن، ولا لطائفة دون طائفة، إنه كتاب الجميع ودستور الجميع فى نسق فريد ونظم بديع، ومن شمول القرآن: أن طالب الحقيقة العقلية يجد فى القرآن ما يرضى منطقه ويأخذ بلبه، والباحث عن الحقيقة الروحية يجد فى القرآن ما يرضى ذوقه ويغذى وجدانه، والحريص على القيم الأخلاقية يجد فى القرآن ضالته وطلبه.
وعاشق القيم الجمالية يجد فى القرآن ما ينمى حاسته الجمالية ويغذى شعوره، ومن شمول القرآن: أنه لا يخاطب العقل وحده ولا القلب وحده، بل يخاطب الكيان الإنسانى كله فيقنع العقل ويحرك القلب فى وقت واحد كذلك.
_________
(١) فصلت: ٥٣.
(٢) الحجر: ٩.
1 / 19
فالقرآن دستور شامل وصفه منزّله بأنه تبيان لكل شىء.
قال تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١).
ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة (٢)
...
_________
(١) النحل: ٨٩.
(٢) من كتاب ثقافة الداعية د/ يوسف القرضاوى بتصرف.
1 / 20
فصل فى جمع القرآن ومنشأ القراءات
نزل القرآن الكريم جملة واحدة فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فكان نزوله حدثا جليلا أشعر العالم العلوى من ملائكة الله بشرف الأمة المحمدية التى أكرمها الله بهذه الرسالة لتكون خير أمة أخرجت للناس، ثم بدأ ينزل منجما أى مفرقا فى ثلاث وعشرين سنة: منها ثلاث عشرة بمكة- على الرأى الراجح (١) - وعشر بالمدينة، فكان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل من ذلك لحكم بليغة منها تثبيت فؤاد رسول الله ﷺ، وتيسير وتسهيل حفظه وفهمه، والتدرّج فى التشريع، وغير ذلك ...
وكان نزول القرآن آنذاك على سبعة أحرف لتيسير قراءته وحفظه على قوم أميين لكل قبيل منهم لهجة ولسان، ولا عهد لهم بحفظ الشرائع، وتحقيقا لقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢).
والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة حتى تواتر عن رسول الله ﷺ أن القرآن أنزل على سبعة أحرف أذكر منها ما صح من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «أقرأنى جبريل ﵇ على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدنى حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (٣).
وقد اختلف أهل العلم فى معنى هذه السبعة أحرف على أقوال كثيرة، أورد منها الإمام ابن كثير فى ذيل تفسيره خمسة أقوال (٤) أرجحها وهو قول أكثر أهل
_________
(١) الراجح: (الأصح): يقصد به المعتمد، وعكسه المرجوح يعنى غير المعتمد، وقيل يعنى أن ما بعدها ضعيف.
(٢) القمر: ١٧.
(٣) صحيح البخارى (ج ٩ ص ٢٣) مع الفتح، صحيح مسلم (ج ٦ ص ١٠١) بشرح النووى.
(٤) تفسير ابن كثير (ج ٤ ص ٥٩٨).
1 / 21
العلم كسفيان بن عيينة وابن وهب وابن جرير والطحاوى أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه من المعانى المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو (أقبل، تعال، هلم) ونحو (أقوم، أصوب، أهيأ) فهى ألفاظ مختلفة بمعنى واحد أو متقارب.
وكان لرسول الله ﷺ كتّاب للوحى من أجلاء الصحابة كعلى بن أبى طالب، وأبى بن كعب، وزيد بن ثابت وغيرهم. تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها ويرشدهم إلى موضوعها من سورتها، فيقول لهم: ضعوا هذه الآية فى الموضع المعين بين آية كذا وآية كذا، وضعوا هذه السورة بجانب تلك السورة وكانوا يكتبونه فى العسب- وهو جريد النخل، واللخاف- وهى الحجارة الرقاق- والرقاع من جلد أو ورق، وكان ذلك موزعا فى بيوت الصحابة لم يجمع فى مكان واحد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان محفوظا فى صدور الصحابة رضى الله عنهم أجمعين.
وكان جبريل ﵇ يعارض رسول الله ﷺ القرآن حين يلقاه فى كل ليلة فى شهر رمضان، والمراد من معارضته له بالقرآن كل سنة مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى ليبقى ما بقى ويذهب ما نسخ توكيدا واستثباتا وحفظا، ولهذا عرضه فى السنة الأخيرة من عمره ﷺ على جبريل مرتين. وعارضه جبريل كذلك، وكان الصحابة يعرضون على رسول الله ﷺ ما لديهم من القرآن حفظا وكتابة كذلك.
وجمع القرآن كله بهذه الصورة على عهد رسول الله ﷺ وإنما لم يجمع القرآن فى مصحف واحد فى عهده ﷺ لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته كما أن ترتيب الآيات لم يكن بترتيب النزول، بل تكتب الآية بعد نزولها على حسب ما يرشد ﷺ إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا فى سورة كذا.
فتم كتابة القرآن فى السطور وجمعه فى الصدور ويسمى هذا الجمع فى عهد النبى ﷺ حفظا وكتابة (الجمع الأول).
فلمّا كمل القرآن وانتهى نزوله بوفاته ﷺ ألهم الله الخلفاء الراشدين جمع كتابه
1 / 22