135

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

Daabacaha

دار الفكر

Lambarka Daabacaadda

الخامسة والعشرون

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٦ هـ

Goobta Daabacaadda

دمشق

Noocyada

يخرجون كل يوم إلى ظاهر المدينة ينتظرون تحت لفح الشمس وصول رسول الله ﷺ إليهم، حتى إذا هبّ النهار ليدبر، عادوا أدراجهم ليعودوا إلى الانتظار صباح اليوم الثاني، فلما طلع الرسول عليهم جاشت العواطف في صدورهم وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد والأهازيج فرحا لمرآه ﵊ ومقدمه عليهم، ولقد بادلهم رسول الله ﷺ المحبة ذاتها، حتى إنه جعل ينظر إلى ولائد بني النجار من حوله، وهن ينشدن ويتغنين بمقدمه، قائلا: «أتحببنني؟ والله إن قلبي ليحبكن» .
يدلنا كل ذلك أن محبة رسول الله ﷺ ليست في مجرد الاتّباع له، بل المحبة له هي أساس الاتباع وباعثه، فلولا المحبة العاطفية في القلب لما وجد وازع يحمل على الاتباع في العمل.
ولقد ضلّ قوم حسبوا أن محبة رسول الله ﷺ ليس لها معنى إلا الاتباع والاقتداء. وفاتهم أن الاقتداء لا يأتي إلا بوازع ودافع، ولن تجد من وازع يحمل على الاتباع إلا المحبة القلبية التي تهز المشاعر وتستبد بالعواطف. ولذلك جعل الرسول ﷺ مقياس الإيمان بالله امتلاء القلب بمحبته ﵊، بحيث تغدو متغلبة على محبة الولد والوالد والناس أجمعين. وهذا يدلّ على أن محبة الرسول من جنس محبة الوالد والولد أي مصدر كل منهما العاطفة والقلب وإلا لم تصح المقارنة والمفاضلة بينهما.
٨- أما الصورة التي رأيناها في مقامه ﷺ عند أبي أيوب الأنصاري في منزله، فتكشف لنا مظهرا آخر من محبة أصحاب رسول الله ﷺ له.
والذي يهمنا من ذلك هنا، هو التأمل في تبرك أبي أيوب وزوجه، بآثار أصابع رسول الله ﷺ في قصعة الطعام، حينما كان يردّ عليهما فضل طعامه. إذن فالتبرك بآثار النبي ﷺ أمر مشروع قد أقره.
وقد روى البخاري ومسلم صورا كثيرة أخرى من تبرك الصحابة بآثار النبي ﵊ والتوسل بها للاستشفاء أو العناية والتوفيق وما شابه ذلك.
من ذلك ما رواه البخاري في كتاب اللباس، في باب (ما يذكر في الشيب)، من أن أم سلمة زوج النبي ﷺ كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبي ﷺ في جلجل لها (ما يشبه القارورة يحفظ فيه ما يراد صيانته) فكان إذا أصاب أحدا من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء، فجعلت الشعرات في الماء، ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للاستشفاء والتبرك به.
ومن ذلك ما رواه مسلم في كتاب الفضائل في باب طيب عرقه ﷺ أنه ﵊ كان يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست هي في البيت، فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فجاءت أم سليم وقد عرق رسول الله ﷺ واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش

1 / 140