Film Wathaiqi Muqaddima Qasira
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
تطورت المؤسسات التي تأسست في هذه الفترة أيضا لتنتج أعمالا مختلفة تماما، فقد أسس ثلاثة خريجين من جامعة شيكاغو كانوا قد وجدوا الإلهام في أعمال جون ديوي وقدرات الكاميرا المحمولة التي ظهرت حديثا - شركة كارتماكوين فيلمز في شيكاغو، وكان أول أفلامهم، «منزل للحياة» (1966)، رؤية واقعية لمهانات الحياة في دور رعاية المسنين، وفشل الفيلم في تغيير أي من سياسات الرعاية الصحية. وفي خضم بحثهم عن مشروعات أكثر توجها نحو العمل الإجرائي، وبعد أن أصبحت مؤسسة سياسية، قدمت كارتماكوين فيلم «قصة مركز شيكاغو للأمومة» (1976) للاحتجاج على إغلاق آخر برنامج للتوليد المنزلي في شيكاغو، وكجزء من حملة ضد سيطرة الشركات على مجال الرعاية الصحية. بعد حل المجموعة، استمرت كارتماكوين في تقديم الأفلام وأصبحت موجهة نحو الجماهير العامة. وقد حظي فيلم «أحلام الطوق» (1994) لستيف جيمس بنجاح عالمي بعد فوزه بجائزة في مهرجان صندانس السينمائي، أما المسلسل التليفزيوني الملحمي «الأمريكيون الجدد» (2002)، وهو إنتاج تنفيذي مشترك لجوردون كوين وستيفن جيمس الشريكين المؤسسين لكارتماكوين، فقد تعقب مجموعة من المهاجرين إلى الولايات المتحدة من بلادهم الأصلية. وقد ظل نفس الاهتمام قائما بإعطاء الأبطال الفرصة للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم، ودعوة المشاهدين في احترام لمعايشة تجارب هؤلاء الأبطال، وإثارة أسئلة عن الوضع الراهن، وكان بمنزلة الزخم الذي يحرك أعمال كارتماكوين الأصلية.
حينما تشاهد فيما بعد، تصبح أفلام القضايا شهادة تأييد للقضية من أجل التاريخ، كما في «الأرض الإسبانية» و«ساعة الأفران»، وبالفعل، فقد بعث فيلم «معركة تشيلي» من جديد في تشيلي بعد عودة الديمقراطية، وهو يستخدم الآن لتدريس التاريخ للتشيليين الذين محت الكتب في عهد بينوشيه كل أثر لسنوات حكم أليندي تقريبا.
في القرن الحادي والعشرين ومع ظهور أجهزة إنتاج أكثر تطورا، صارت المنظمات المدافعة توكل وتنتج أفلاما وثائقية كجزء من خطط اتصالاتها الاستراتيجية. إن فيلم «العراق للبيع» (2006)، إنتاج شركة بريف نيو فيلمز، عن جشع الشركات خلال حرب العراق، وفيلم «حرب الحدود» (2006)، إنتاج منظمة المواطنين المتحدين المحافظة، عن الهجرة إلى الولايات المتحدة، أعدا كليهما كأسلحة في حرب للأفكار، وعندما درس الكونجرس الأمريكي افتتاح المحمية الوطنية القطبية للحياة البرية من أجل التنقيب عن النفط، أنتجت منظمة سييرا كلوب وغيرها من المنظمات غير الربحية المهتمة بالبيئة فيلم «نفط على الجليد» (2004). يبحث هذا الفيلم، الذي يرويه بيتر كويوت، معركة التطوير النفطي في المحمية الوطنية القطبية للحياة البرية، وتأثير هذا التطوير على كل من البيئة والمجتمعات الطبيعية، وقد عرض في دور العرض، وعلى التليفزيون العام، وفي الكثير من الأماكن العامة، عرضت أيضا أسطوانة (الدي في دي) فيلما قصيرا ومجموعة أدوات تنظيمية، وقد أشاد المنظمون به لدوره في حشد الوعي والمقاومة في كل أنحاء البلاد، وهو ما ساهم في النهاية في إسقاط التشريع الخاص بالبدء في التنقيب عن النفط.
وأيا كان منظور المنظمات المدافعة والمنظمات غير الربحية فإنها تستفيد من التعهد الضمني للفيلم الوثائقي بسرد قصة مهمة عن الحياة الواقعية بصدق وأمانة. وأفلام القضايا تؤكد على أن التعهد لا يكون فقط من خلال مصداقية المنظمات المنتجة لها، ولكن أيضا من خلال الأدوات التي تستخدمها للإشارة إلى جدارتها بالثقة والاعتماد عليها. وتشمل هذه الأدوات (التي بالطبع لا تفرط فيها) الاستعانة برواة ذوي تأثير وثقل (مثل بيتر كويوت)، والتصوير الواقعي للحياة اليومية («الأرض الإسبانية»)، والمقارنة الجريئة (كتلك التي استخدمت في فيلم «بوريناج»)، واستخدام سينما الواقع («معركة تشيلي »)، والإحصاءات التي تخدم المناقشة («ساعة الأفران»)، ولقاءات مع الخبراء («العراق للبيع»، و«حرب الحدود»). غير أنه لو أصبحت الأفلام الوثائقية النزاعية سمة قياسية للحرب السياسية، لكان من الممكن أن تقوض من المصداقية التي اكتسبها هذا الشكل الفني من خلال ارتباطه بالقضايا والمشكلات النزاعية التي تقلل من شأنها وسائل الإعلام التي تعتمد على الإثارة وتهوى الشهرة.
الأفلام التاريخية
كتب المؤرخ آرثر شليسنجر الابن يقول: «التاريخ لا يصنع نفسه؛ فلا يمكنك أن تضع عملة في ماكينة فيخرج لك تاريخ.» إن التاريخ كله يكتب للناس في الحاضر، للبحث لهم عما يطلق عليه المؤرخون «ماض قابل للاستخدام»؛ قصة تستخدم في تكوين فهمنا لأنفسنا، كذلك يكتب التاريخ بناء على رواية سابقة، تارة مخالفة وتارة داعمة وتارة مؤكدة لحاضر لم يكن له أي وجود فيما سبق.
يواجه مخرجو الأفلام الوثائقية الذين يروون التاريخ من خلال فيلم جميع التحديات التي يواجهها نظراؤهم من المخرجين، فهم يواجهون مشكلات المؤرخين في الحصول على البيانات، وغالبا ما يلجئون إلى تمثيل الأحداث التي لا يوجد أفلام لها، وغالبا أيضا ما يلجئون إلى تمثيل الأحداث باستخدام مادة لم تكن معدة كسجل تاريخي، فيلجئون إلى الصور الفوتوغرافية، واللوحات، والأشياء التمثيلية، وصور لوثائق مهمة، وإعادة التجسيد، وتصوير خبراء مشاهير أمام الكاميرا للاستعاضة بهم عن الصور. يسجلون أيضا موسيقى تستحضر العصر، ويبحثون عن مطربين لغناء أغنيات العصر، ويدمجون مؤثرات صوتية لتعزيز إحساس المشاهد بأن ما يعرض أمامه هو لحظة حقيقية من الماضي، وهم يعانون إشكالية تحديد الكم المناسب من إعادة التجسيد وكيف يمكن تنفيذه.
يواجهون أيضا مشكلات الخبرة؛ فعادة ما يصل مخرجو الأفلام الوثائقية إلى قطاع أكبر بكثير من الناس بأعمالهم مقارنة بالمؤرخين الأكاديميين، لكن المخرجين نادرا ما يكون لديهم مؤهلات المؤرخين، بل إن المخرجين غالبا ما يتجنبون استشارة مجموعة من الخبراء؛ فكثيرا ما قد يكون المؤرخون شديدي التمسك بالدقة في تسلسل الأحداث التاريخية، ومناقشة تأويلات متعددة، والحاجة لإقحام شخصيات ثانوية أو حقائق دقيقة، وهو ما يخالف هوى المخرجين، ويفسد وضوح القصة المصورة لقطاع عريض من الجماهير، وغالبا ما يشترط تليفزيون الخدمة العامة وجود هيئات استشارية متخصصة، ولكن أعمال التليفزيون التجاري نادرا ما تضع مثل هذه الاشتراطات.
أخيرا، وعلى عكس المؤرخين الكتاب الذين يستطيعون الاستطراد، وإضافة تعليقات، وهوامش، يعمل مخرجو الأفلام الوثائقية في إطار شكل تخلق فيه الصور والأصوات محاكاة لواقع هو في حد ذاته تأكيد لحقيقة ضمنية، مما يصعب عليهم تقديم أي تأويلات بديلة للأحداث، أو حتى فكرة أننا في واقع الأمر نؤول الأحداث.
وغالبا ما كان المخرجون الوثائقيون يختارون تجاهل تداعيات اختياراتهم: فقد يقبلون فكرة لا تتفق مع معايير النقد بأنهم يروون حقائق الماضي لا أكثر، أو قد يبنون نظرة متحزبة للماضي على نحو لا يتفق مع معايير النقد أيضا، غير أن أعمالهم غالبا ما تكون البوابة الأولى التي يمر من خلالها الناس لفهم الماضي.
Bog aan la aqoon