Film Wathaiqi Muqaddima Qasira
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
لقد استخدمت هذه الأفلام الثلاثة أساليب مختلفة جذريا؛ هي: العرض المبهر، والتصريح المكبوح المتعمد، والخطاب المباشر الصريح. إن أعمالهم تعكس السياقات الثقافية والمهام السياسية المتمايزة أيضا، غير أن المخرجين الثلاثة اشتركوا في استراتيجية جوهرية هي: ربط الأزمة الحالية بما يمكن للمشاهد أن يراه باعتباره قيمهم الثابتة وتراثهم الثقافي.
الفاعلية
هل الأفلام الوثائقية الدعائية فعالة؟ خلص نيكولاس ريفز، معتمدا على الأدبيات الثرية عن تأثيرات الإعلام، إلى أن هذه الأفلام، شأنها شأن الجهود الدعائية للحكومات عموما، نجحت حيث استطاعت تعزيز المعتقدات، والأفلام الدعائية لم يكن لها فاعلية كبيرة قط في تغيير الرأي العام. والادعاءات الخاصة بقدرة أي عمل دعائي على تسميم عقول المشاهدين أو السيطرة عليها يبدو أن هناك مبالغة فيها عموما. علاوة على ذلك، فإن كل فيلم وثائقي يشكل جزءا من صورة أكبر للإقناع ووضع الأهداف الخفية، مما يخلق توقعات ويعيد تدريجيا رسم الخرائط الذهنية لما هو طبيعي.
افتقدت الأفلام الدعائية أيضا جاذبية الأفلام الروائية التجارية؛ فإبان الحرب العالمية الثانية، كانت الأفلام الدعائية غالبا ما تعرض في جهات عرض غير سينمائية أكثر مما تعرض في دور السينما. وفي اليابان، حيث كانت الأفلام الوثائقية تنفذ بالتكليف الرسمي، أظهرت دراسات فترة الحرب أن الأفلام الوثائقية جذبت عددا قليلا نسبيا من النساء. ففي الفيلم الألماني «انتصار الإرادة»، وعلى الرغم من الترويج الصريح من جانب حكومة هتلر له لدى أصحاب دور العرض، فقد كان غالبا ما يعرض لمدة أسبوع واحد فقط في دور العرض بسبب قلة أعداد الجماهير، ويبدو أن الفيلم لم يحسن الرأي العام الذي كان ثائرا بفعل الأنباء الاقتصادية السيئة والانزعاج من التطرفية النازية المعادية للسامية. ولعل الإنجاز الذي حققه «انتصار الإرادة» - على مستوى أعمق - لم ينعكس في صناديق الانتخاب، بل في ربطه للنازيين الجدد بالتقاليد التاريخية والثقافية العميقة.
شكل 2-1: قدم فيلم «انتصار الإرادة» دعاية ليس فقط للنازيين، ولكن أيضا للحلفاء عندما أعيد تقطيع مشاهده. الفيلم من إخراج ليني ريفينشتال عام 1935.
وفي بريطانيا، استمرت الأفلام الوثائقية المبنية على فكرة «الحرب الشعبية» لفترة أطول في دور العرض من أفلام الدعاية الوقتية ذات الطابع التوجيهي، وكان فيلم «لندن تستطيع الصمود» (1940) لهمفري جينينجز هو أول فيلم يحقق نجاحا على مستوى شباك التذاكر؛ فقد جسد ريبورتاجا لصحفي أمريكي، بفكرة رئيسية ضمنية مفادها أن الألمان لا يستطيعون «قتل روح أهل لندن وشجاعتها؛ فهما لا يقهران». وكان «استمع لبريطانيا» من الأفلام الأخرى التي حققت نجاحا جماهيريا، ولكنه كان استثناء. كانت هناك عروض متنقلة أيضا للأفلام الوثائقية استخدمت فيها أجهزة عرض 16 ملليمترا للعروض المنظمة.
أما في الولايات المتحدة، فقد عرضت سلسلة أفلام كابرا لكل جندي سواء في الوطن أو بالخارج، وأظهرت الدراسات أن تلك الأفلام أثرت على آراء الجنود عقب مشاهدتها مباشرة وفيما بعد. ومن خلال احتفاء الأفلام البسيط بالحلفاء، لاقت رواجا أيضا عند الحكومتين البريطانية والروسية، اللتين أمرتا بعرضها في دور العرض، غير أن نجاحها كان أقل في دور العرض الأمريكية؛ إذ لم يرغب أصحاب دور العرض في عرض سلسلة أفلام «لماذا نحارب»، وهو ما كان يعزى في جزء منه إلى تجاربهم السيئة مع الأفلام الوثائقية، وفي جزء آخر إلى إعادة السلسلة استخدام مواد كثيرة - خاصة الجرائد السينمائية - سبق عرضها في دور العرض من قبل.
لا يستسلم المشاهدون بسهولة للدعاية التي يستطيعون تمييزها ، وقد تمكن كثيرون من استخدام «انتصار الإرادة» للدعاية المضادة بفاعلية للغاية، لأن تأثيره على المشاهد غلب عليه التسلط والاستبداد؛ فقد أصبح وصفا مرئيا لإرادة الغزو والسحق، ولعل أحد الأسباب التي جعلت فيلم «استمع لبريطانيا» يظل محبوبا لهذه الدرجة أنه يخلق انطباعا بين المشاهدين بأنه لا يحاول التحكم في عقولهم، ولكن يدعوهم لملاحظة واقع قائم.
من الممكن أن تكون نتائج الفيلم الدعائي مختلفة كثيرا عن المتوقع، كما تبين من إعادة استخدام فيلم ريفينشتال؛ فقد قدم مخرج هوليوود الأمريكي جون هيوستون فيلما خلال فترة الحرب للقوات المسلحة الأمريكية، وهو فيلم «معركة سان بيترو» (1945)، لتوعية الأمريكيين بالحاجة إلى خوض المعركة التي خلفت خسائر بالغة في الأرواح في إيطاليا، ونظرا لاعتماده البالغ على الصور، قررت الحكومة عدم استخدام فيلمه خلال الحرب خوفا من بث الرعب بين الجماهير، وإن كانت قد ألغت قرارها ذاك بعد انتهاء الحرب. والفيلم، بصوره الفريدة للمعركة، قد استخدمه الناشطون المناهضون للحرب وغيرهم لإظهار التكلفة البشرية الباهظة للحرب.
أما عمل أكيرا إيواساكي، كما يتذكره إريك بارنو، فهو قصة ساخرة عن فيلم دعائي أعيد ترتيبه وحظره، فبعد أن أجبر إيواساكي على العمل كمخرج لدى الحكومة اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح لديه الأجهزة والمهارات لتسجيل آثار قصف هيروشيما وناجازاكي، غير أن حكومة الاحتلال الأمريكية سارعت لمصادرة عمله وإخفائه، وحين أفرج عن العمل، أنتج إريك بارنو فيلما قصيرا ومؤثرا بقوة، هو فيلم «هيروشيما-ناجازاكي، أغسطس 1945»، وحين شاهد إيواساكي الفيلم، رأى المشاهد التي التقطها على الشاشة لأول مرة.
Bog aan la aqoon