Film Wathaiqi Muqaddima Qasira
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ومع تنامي الاحتجاجات ومناهضة الرأي العام للحرب، استجمعت الشبكات الأمريكية مزيدا من الشجاعة؛ ففي عام 1971 أذاعت شبكة سي بي إس فيلم «بيع البنتاجون»، الذي كان ينظر إليه بوصفه أوج هذا النوع من أفلام الشئون العامة الوثائقية. كشف الفيلم عن حجم آليات العلاقات العامة للجيش الأمريكي، وانتقد تورط الشبكة (من حين لآخر) في ذلك. أثار عرض الفيلم قدرا هائلا من الاهتمام - بما في ذلك غضب الحكومة والبنتاجون - حتى إن عرضا ثانيا للفيلم جذب مشاهدين أكثر من العرض الأول، وقد سحب البنتاجون بعض مواد العلاقات العامة التي انتقدت في التقرير .
في غضون ذلك كان المخرجون المستقلون يقدمون أعمالا مختلفة تماما لم تكن تليفزيونية. كانت أعمالهم غالبا ما تتجنب الموقف الموضوعي المتزن وادعاء الشمولية الذي تدعيه الأفلام الوثائقية التليفزيونية. وقد استخدم الناشطون المناهضون للحرب الفيلم الوثائقي الكندي «أغنية الجلد الأصفر الحزينة» (1969) لمايكل روبو، الذي يتعقب فيه طاقم العمل الصغير ثلاثة صحفيين أمريكيين حول سايجون، لحشد التأييد لقضيتهم. وقد صنع إميل دي أنطونيو قصة تحليلية لحرب فيتنام كاستمرار للسياسة الإمبريالية، وذلك في فيلم «في عام الخنزير» (1968) الذي عرض في دور السينما، وفي عام 1974، قدم بيتر ديفيز - الذي أنتج فيلم «بيع البنتاجون» - فيلم «قلوب وعقول»، وهو توثيق حاد وموحش يعرض ما كان ديفيز يعتقد أنه خيانة للمعتقدات والمثل الأمريكية الأساسية في حرب فيتنام. وفي حين أن الفيلم الذي أنتجته محطة سي بي إس كان تقريرا عنيفا وكئيبا، كان «قلوب وعقول» تعبيرا عن الحزن والغضب.
التقاليد والانتقادات
تبوح الاختلافات في الأسلوب والنبرة بين «بيع البنتاجون» و«قلوب وعقول» بالكثير عن تقاليد أفلام الشئون العامة الوثائقية. لقد كانت الأفلام الوثائقية التي تعرض على الشبكات التليفزيونية أعمالا ذات طابع مؤسسي ومصطنعة بحرفية عالية، فقد أنتجت بحرفية باستخدام الإضاءة، والمونتاج، وتقنيات السيناريو المستمدة من صناعة الأفلام في هوليوود، وكانت شخصيات منتجيها - وأحيانا أسماء - المسئولين عنها ممتزجة مع الهوية المؤسسية للشبكة التي تذيعها، والتي كان يمثلها المذيع.
طور المنتجون مجموعة من التقاليد للإيحاء بالثقل، والانفتاح، والتوازن، والدقة، والأهمية، وغالبا ما كانوا يستعينون بمحاور أو مذيع يستطيع التعبير عن كل من الثقل والانفتاح، وقد كان إدوارد مورو نموذجا، بأكمامه المشمرة، وسيجارته، ونبرته شديدة الجدية، تحيطه المعدات التليفزيونية والهالة التي ألقتها عليه سمعته في الإذاعة، وكان أسلوبه يعكس المعرفة لكن دون نخبوية. كانت البرامج تستخدم الكثير من مشاهد القطع المتبادل والمواد الرمزية، ومع تسارع الإيقاع التليفزيوني، شرعت في استخدام مشاهد المقابلات الشخصية كعناصر قصصية، وذلك بقص تعليقات وإقحامها في الخط الدرامي، وكان الصوت هو العنصر الأكبر؛ إذ كان السرد والموسيقى التصويرية يقودان المشاهد عبر التحليل.
وهكذا كانت صدمة للمسئولين التنفيذيين بالشبكات الأمريكية حين طرح روبرت درو مصور مجلة لايف وفريقه في عام 1959 على شبكة إيه بي سي، طريقة مختلفة تماما لتقديم أفلام الشئون العامة الوثائقية، فمن خلال استخدام معدات أخف وزنا وأكثر قابلية للنقل، وعدوا المشاهدين بتجربة ترصد كل شيء على الطبيعة بدلا من تحليل مؤسسي، وعمد واضعو البرامج إلى تجربته وبداخلهم شكوك رهيبة، وبالتدريج ظهرت تأثيرات سينما الواقع في أفلام الشئون العامة الوثائقية التليفزيونية دون الإطاحة بالمنهج القائم على الاصطناع والسرد، كذلك عمدت شبكة بي بي سي وشركة الإذاعة الكندية إلى تجربة أفلام الشئون العامة الوثائقية القائمة على الرصد والمراقبة، أيضا بدون التخلي عن النموذج المصطنع القائم على التحليل. وظهرت أشكال جديدة. وفي عام 1964، أذاعت قناة جرانادا تي في التجارية البريطانية فيلم «سفن آب»، وهو بداية لسلسلة أفلام جرى فيها تتبع أطفال من أوضاع اجتماعية اقتصادية مختلفة في نفس الفصل الدراسي على فترات مدتها سبع سنوات على مدار حياتهم، احتوت السلسلة على عناصر كل من الملاحظة وتجربة الاهتمام بالعامة المميزة لسينما الواقع، والسرد، والمقابلات الشخصية، والتوجه نحو المشكلات المميزة لأفلام الشئون العامة الوثائقية.
كان لأفلام الشئون العامة الوثائقية التليفزيونية في عصر ما قبل القنوات المشفرة تأثير كبير، ولكنها أيضا فتحت جراحا؛ ففي منطقة أبالاتشيا الريفية، التي كانت محط تركيز العديد من الوثائقيات التليفزيونية التي تتناول الفقر وعدم المساواة، استاء كثيرون من تحولهم إلى نماذج «للفقر»، واعتقدوا أن قيمهم الثقافية قد قلل من شأنها. في الوقت نفسه أنشئ مركز إقليمي للفنون، هو مركز أبالشوب، بتمويلات فيدرالية من مبادرة المجتمع العظيم لليندون جونسون. وأصبحت الأفلام الوثائقية التي تستكشف الثقافة الجبلية للمنطقة هي الأولوية الأولى له. فيكشف فيلم «الغريب ذو الكاميرا» (2000)، الذي نفذته إليزابيث باريت، إحدى مؤسسي أبالشوب، عن الانعكاسات الأخلاقية طويلة المدى للسكان المحليين وصناع الإعلام؛ إذ يلقي الفيلم الضوء على حادث وقع في عام 1967 حين أطلق صاحب أرض عدواني غاضب من وجود الإعلاميين الغرباء النار على مصور صحفي كندي حر كان يصور فيلما وثائقيا تليفزيونيا من أفلام الشئون العامة.
خضعت الأفلام الوثائقية التليفزيونية للدراسة من الصحفيين وباحثي الصحافة أكثر من باحثي الدراسات السينمائية (وقد يعزى هذا جزئيا إلى أن الهوية المؤسسية لهذا النوع الفرعي تضفي تعقيدا على منهج العديد من باحثي السينما المتسم بالتركيز على المخرج باعتباره المؤلف الحقيقي للفيلم). وقد ذهب الصحفي الإذاعي الأسترالي المستقل جون بيلجر بقوة إلى أن الحيادية المبالغ في تقديرها للأعمال الوثائقية التليفزيونية التقليدية هي «التعبير عن سياسة إجماع لدى الطبقة الوسطى» من شأنها أن تمنح امتيازا للسلطة، وبدلا من ذلك، اقترح أنه لا بد أن يكون الصحفيون رقباء يقظين على السلطة ومدافعين عن المصلحة العامة. وقد خضعت تقاليد صحافة الشئون العامة التليفزيونية للتحليل من باحثي الاتصالات، فقد أوضح توماس روستك كيف أن تغطية برنامج «شاهده الآن» عن مكارثي قد وضعت بدهاء لتكون متحاملة على السيناتور في الوقت الذي تبدو فيه متوازنة وموضوعية. حلل ريتشارد كامبل أيضا شكل المجلات الإخبارية كنسخة مصغرة من مهمة أفلام الشئون العامة الوثائقية، مشيرا إلى أن حلقات برنامج «60 دقيقة» قد بنيت على نسق القصص البوليسية، ومن ثم لا تستطيع المجلات الإخبارية أن تتناول قضايا لا تندرج تحت نموذج القصة البوليسية ولا يمكن حلها «بإيجاد الشرير»، فمعظم المشكلات الاجتماعية، من الاحترار العالمي إلى الأزمات المرورية، عموما ليست خطأ شخص شرير.
فقدت أفلام الشئون العامة الوثائقية أكثر رعاتها جودا وسخاء، وهم الشبكات التجارية ذات الأسلوب القديم، ومؤسسات البث القومية؛ إذ يواجه كلاهما منافسة ضارية تتسبب في تخفيض الميزانيات، كذلك يدخل دور الصحفي الإذاعي الموثوق في إطار الشك، ولكن نمط الأعمال الوثائقية، التي تشتمل على اصطناع وسرد ومذيع يطرح قضية محل اهتمام للتقصي والفهم وتبرز مذيعا معروفا وجديرا بالثقة، يظل نموذجا ثابتا، فلا يزال هذا اختيارا تلقائيا في الصحافة الإذاعية في جميع أنحاء العالم، وغالبا ما يحاكى أيضا في الأعمال التي تنتجها المؤسسات غير الربحية التي تناضل من أجل الشرعية والموثوقية في أي موضوع.
الدعاية الحكومية
Bog aan la aqoon