ثم هو لا يفتر عن أداء حقوق القصر، ولا يني عن التوافي في كل موسم لدار الوكالة الإنجليزية، ولا يترك جريدة السياسة إلا إلى «بيت الأمة!»
ثم هو يحسن العربية ويحكم الإنجليزية فلا تعرف إن كان غربيا مستشرقا أو كان شرقيا مستغربا!
ثم هو مصري، وهو في الوقت نفسه مطاف الجالية الفارسية في مصر يتحدث على أمورها ويدلي بمهمها في هذه البلاد، فلا تعرف إن كان عربيا مستعجما أو عجميا مستعربا!
ثم هو إذا تقفيت أصله وقصصت منشأه ومنجمه رأيته من المنوفية، ومن الشرقية، ومن البحيرة، ومن الدقهلية، ومن القليوبية، ومن الجيزة، ومن المنيا، ومن أسيوط، ومن جرجا، ومن قنا؛ هو من هؤلاء جميعا، وهو يلاغي بلغاهم جميعا، فترى في لسانه لين حديث أهل البحيرة، وجشوبة منطق أهل الصعيد، فتسمعه إذا نادى «محمدا» قال «يا محم» وإذا عبر عن الفم، قال «الخشم».
هو ولا شك عصبة أمم تجول في قفطان وجبة!
لا أعرف رجلا يحصي من أسماء الناس وألقابهم وكناهم ومعرفة من يلابس كل إنسان من أصدقائه وأصهاره وأحمائه مثل ما يحصي ذهن الشيخ.
وأقسم لو استعانت به مصلحة الإحصاء إذ تقبل على إحصاء أهل هذه البلاد لتغنت بعلمه وذاكرته عن خمسة آلاف شيخ حارة وعمدة بلد وسجل قديم في الدفترخانة، وموظف طواف في القرى والدساكر لجمع المعلومات، وإثبات الأسماء والصفات.
وإذا حضرك في هذا المقام أن الشياطين تتشكل فلا يذهب عنك أن الملائكة كذلك تتشكل، وأن أولياء الله يتشكلون، وللأقطاب والأبدال في التشكل أحاديث طوال .
وإذا كنا نحتفل في هذه الدنيا بشخصية واحدة ونتخذها موضع الحديث والتحليل والتمثيل فكيف بسبع وثمانين شخصية قوية قد اتسقت كلها لرجل واحد!
ليس على الله بمستنكر
Bog aan la aqoon