3
النفس، متبرما بالناس لكثرة ما لاقى منهم، فقال له: اعتذر، فقال إنهم يلحون، قال: فأذن لهم على أن يسلموا وقوفا وينصرفوا، فأدى إليهم الرسالة ودخلوا، وأقسم لي الحاجب أنهم لبثوا في حضرته ساعة وبعض ساعة وهو لا ينقطع عن الخطابة.
كنت بحضرته يوما، وقد مثل أمامه وفد من الوفود فمد بصره إليهم، وقال: من خطيبكم؟ فلما لم يصب فيهم خطيبا كاد يعرض عنهم لولا حاجته إلى مناصرتهم.
لذلك تقربت إليه الوفود بالخطباء، وشاع في نفوس النشء حب الخطابة تشبها بسعد، فكثرت الخطباء، وفي كثرتهم مظهر من مظاهر النهضة الوطنية المباركة، فسعد مدرسة لا تقفل أبوابها، يؤمها الطلاب من أنحاء القطر.
إنه يتشدد في الحق ولا يترخص فيما يعتقد أنه حق، ذلك كان شأنه قبل الزعامة، فلما ملك يومه وأصبح الزعيم الأكبر، أبت عليه طبيعة السياسة أن يأخذ دائما بذلك التشدد، فهو إذا وقفت به الحربية بين الصواب وبين هوى العامة، لا يلبث أن يعدل إلى الثانية تمكينا لسلطانه عليهم. يفعل ذلك، وهو يعدها في نفسه على نفسه قبل أن يعدها خصومه عليه.
ودعاك حسدك الرئيس وأمسكوا
ودعاك خالقك الرئيس الأكبرا
خلفت صفاتك في العيون كلامه
كالخط يملأ مسمعي من أبصرا
نزل سعد إلى ميدان السياسة وهو يظن أنها كالقضاء سبيلها الحق والعدل، فلما خاض غمارها ورأى ما راعه فيها من أساليب المداجاة وأفانين الخداع هم بالنكوص. لولا أن إيمانا رسخ في قلبه ويقينا ملأ أنحاء نفسه ، أن صاحب الحق هو صاحب الغلب، حملاه على الثبات فتدرع بهما، ووطن نفسه على الكفاح، وقصاراه أن يشهد بعينه دستور مصر وقد سلم لمصر، وأن يرى وطنه مستقلا تحت ظل الله، فهو يعمل لهذا المقصد الأسمى. ولشد ما يتكئ في هذا العمل على نفسه، وما كان ذلك لضعف في ثقته بمن حوله، ولكنه رجل قد بني على الجد والعمل.
Bog aan la aqoon