Fikr Carabi Hafith
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Noocyada
39
والقومية اسم لشعور وفهم بنيا على النسبة إلى القوم. وقد ذهب أديب إسحاق إلى أن «الأمة من الرجل هي قومه.» ومعنى ذلك أن كاتبنا جعل القوم الأمة، والأمة القوم، فتكون «القومية» من «الأمة» بمثابة «الوطنية» من «الوطن». وهذا هو المعنى الأغلب الذي قصده ويقصده أكثر كتابنا وأدبائنا بالقومية، مع العلم أن بعض الفوضى لا يزال منتشرا في استعمال هذه الكلمات التي لم تعين مدلولاتها الحديثة تعيينا واضحا في لغتنا وأذهاننا.
ويعالج أدباؤنا ومفكرونا موضوع «الحرية» وكلهم مجمعون على أنها الضالة الحبيبة المنشودة.
40
ومن الخير أنهم لم يقفوا في أمرها عند حد المدح والثناء، بل أعملوا الفكر المحلل. وكانت القاعدة التي بنوا عليها ما ورد في «بيان حقوق الإنسان»: «حد الحرية أنه يباح للمرء عمل كل ما يريد شرط ألا يؤذي غيره.» واتفقوا على أن لا بد للحرية من قوانين نافذة؛ فهم بذلك قد ماشوا مونتسكيو، ولكنهم، بلسان أديب إسحاق، أخذوا على مونتسكيو «ذهوله عن ماهية القوانين»؛ ففي واشنطن قانون، وفي طهران قانون، وكذلك الأمر في لندرا وبكين، ولكن التقيد بالقانون في طهران وبكين لا يعني الحرية كالتقيد بالقانون في واشنطن ولندرا. والسبب راجع إلى ماهية القوانين؛ ففي واشنطن ولندرا دستور وشورى وديمقراطية، بينما في بكين كانت تنفذ إرادة الإمبراطور المطلق، وفي طهران كانت تنفذ إرادة الشاه المطلق . وإذن، فالحرية هي: التقيد بقوانين يشترك الشعب في وضعها على يد ممثليه. وفي هذا عرق من روسو نجده في أدبائنا ومفكرينا.
وكما سعت الثورة الفرنسية وسعى أعلامها الفكريون إلى حرية الرأي والعقيدة الدينية والطباعة والخطابة والانتخاب، وحرية التصرف بالأملاك وتنظيم الجمعيات، وحرية الشخص الإنساني بحيث لا يقبض عليه ولا يسجن ولا يحاكم ظلما، كذلك سعى أدباؤنا ومفكرونا إلى هذه الحريات أجمع في مدى قانون يحميها ويضع لها حدا تقف عنده هو: الإضرار بالآخرين وبالمصلحة العامة.
وكما رجع أعلام الفكر الفرنسي الثائر إلى الطبيعة يؤيدون بها مذهبهم، كذلك رجع أدباؤنا إلى الطبيعة أيضا.
وجميل أن نعير التفاتة خاصة مفكرا عربيا خرج عن نطاق الحرية المدنية والسياسية (وكل ما ذكرناه سابقا يدخل في هذا النطاق) فمس موضوع الحرية فلسفيا؛ ذلك المفكر هو فرنسيس فتح الله مراش الحلبي؛ فقد رأى أن بناء الحرية على الطبيعة مذهب سطحي؛ فالطبيعة كلها قواعد ونواميس تضبطها في حركاتها وتطوراتها ضبطا حديديا، فأين هي الحرية في الطبيعة إذن؟ ولكن المراش لم يخلص من هذا إلى إلغاء الحرية، بل كان مؤدى فكرته أن كل شيء في الوجود الطبيعي لا يمكنه أن يكون حرا إلا إذا خضع لقواعد ونواميس هي ضرورة كافلة لوجوده. ومعنى هذا أن لا حرية إلا مع القيام بالضرورات، لا حرية إلا مع إتمام الحاجات التي لا بد منها؛ فالحرية ليست فقط حقوقا نرغب فيها وتضمن لنا بمجرد قانون نضعه، ولكنها أيضا واجبات لا بد من الوفاء بها حتى تحق الحقوق؛ ولذلك لم ينظر المراش في الوجود الاجتماعي والمدني إلى مجرد الرغبة في الحرية، وإلى مجرد قانون يزال أو قانون يوضع، بل نظر أيضا إلى الضرورة، وقرر أن إطلاق الحرية بإلغاء كل قيد لا حاجة إليه هو قانون صوابي. ولرب معترض يقول: ولكن من يثبت أن هذا القيد أو ذاك بات قديما ولا حاجة إليه فيجب إلغاؤه؟ وليس من شك أن المراش فطن إلى مثل هذا الاعتراض، وعرف أن القيد إذا أصبح عائقا للتقدم لا ضابطا يخدم نظاما صالحا فللثورة عند ذلك محلها اللائق، فأيد المراش الحرب الأهلية الأميركية التي وقعت في زمانه لتحرير العبيد مع أنه علم أن كثيرين كانوا في أميركا لا يزالون يجادلون في وجوب استعباد الرقيق ويدافعون بالسلاح عن هذا الحق. ومن أقوال المراش: إن الكون لا يزال مملوءا برائحة البارود في سبيل الحرية.
ومن معاني الحرية التي نظر إليها بعض كتابنا وأدبائنا: الحرية النفسية.
41
Bog aan la aqoon