Fikr Carabi Hafith

Raif Khuri d. 1396 AH
148

Fikr Carabi Hafith

الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي

Noocyada

لم تكن الصحافة موجودة بعرفي في دور نيرون القرن العشرين؛ فتلك التي كان العبيد المستعبدون يدعونها صحافة لم يكن أكثرها إلا وريقات أو نشرات لنشر آيات التقديس والتدليس والتدنيس، بل لإذاعة المين كل المين والتمويه كل التمويه والتجهيل كل التجهيل والتضليل كل التضليل، وكان الاستذلال والاستعباد يقضيان بدفن الحقائق واستحياء المخارق. أما وقد عادت إلى الشعب بعض حقوقه المعطاة له من الله فمن الغضاضة على الصحافة أن تستر العيوب والعورات، وكل صحافة لا تدل الدولة والأمة على حسناتها وسيئاتها بكل ما في كلمة الحرية من معنى الحرية لا تدعى صحافة ولا يرجى لأمتها وحكومتها صلاح وإصلاح.

نعم إن مضمار الانتقاد أوسع في أميركا منه في الدولة العليا بداعي تقييد الصحافة العثمانية وإطلاق حرية أميركا، غير أن الذنب على الشعب؛ فشعب أميركا مطالب وناهض وقائم، والشعب العثماني قاعد وجامد ونائم. النواب هم الذين قيدوا حرية الصحافة وهم ضيقوا الخناق عليها، والشعب هو الذي انتخب أولئك النواب وأرسلهم إلى عاصمته وهو الذي يدفع مرتباتهم ونفقاتهم؛ فالشعب هو سيد النواب والنواب خدامه، ولم أسمع ولم يسمع غيري أن 250 خادما يستطيعون أن يستبدوا بثلاثين مليون «سيد»، فيا أيها الشعب، مر نوابك بتعديل قانون صحافتك واحملهم على تلبية أمرك، فإن لبوه كان ما تريد، وإلا فاقلب لهم ظهر المجن في الانتخاب المقبل وانتخب الأصلح فالأصلح حتى تبلغ ضالتك وتعمل عمل البلاد الشعبية، فهل من سامع أو مجيب لهذا الصوت الضعيف؟ (عن مجلة «المقتبس»، سنتها الخامسة)

الدكتور أيوب تابت

الثورة: أسبابها، استنارة الشعب شرط لنجاحها

إذا كان الملك مطلقا لا قيد يقيده ولا نظام فوق إرادته فالغالب أنه يستأثر في الرأي وهو أكثر ما يكون فاسدا، ويستبد بالقوة وهي قلما تصرف في سبيل الحق والعدل. ويحوم حواليه جماعة من المتملقين والمتزلفين فيزوقون له أنه ظل الله على الأرض، وأن الناس وأعراضهم وأموالهم ملك له يتصرف بهم كيف شاء، فيزداد بذلك عتوا واستبدادا. ولما كانت الرعية تخشى بطشه وتخاف بأسه لا تجرؤ على انتقاد أعماله وتقويم اعوجاجه، فقد ساءت أحكامه وزادت مظالمه. وإذا هي تململت من ثقل الوطأة، اتهمها بالتمرد وشق عصا الطاعة وأمسى قلق الأفكار مضطرب البال إذا هب نسيم السحر خاله عاصفة، أو مال خيال ظنه يدا قاتلة. ويقويه على هذه الهواجس والشكوك المقربون إليه لما يبيحه لهم استحكام التباغض والتنافر بينه وبين الرعية من استنزاف الأموال واستدرار المغانم فيشدد في الضغط على الأمة ويزيد في التنكيل بأحرارها؛ فطالما هي هائمة في ظلمات الجهل فهو في أمن من نهوضها وفكاك قيودها. إنما لا تعتم إلا ريثما تستنير ويشملها العلم فتشعر بثقل الوطأة وسوء الحالة فتهب مستهلكة إلى المطالبة بحقوقها المهضومة.

فإذا كان الملك حكيما يرى ضعف جانبه بإزاء الشعب الثائر فيسترسل إلى إرادته وينيله مبتغاه. غير أن ذلك نادر قليل الحدوث؛ فإن التنازل عن السلطة المطلقة بل عن أية سلطة مهما كان نوعها ليس هو بالأمر السهل. والغالب أن الملك يأبى الاستسلام لمطالب الأمة ويأنف من تقييد سلطته المطلقة، أو ربما أظهر الرضى وأكمن الغدر

1

حتى إذا ما أمكنته الفرص من دعاة الإصلاح أوقع بهم وبدد شملهم وأعاد ملكه إلى ما كان عليه من سوء الحال، بل ربما شدد في الضغط على الأمة وزادها عسفا وظلما بغية استبقائها في ظلمات الجهل وديجور الفقر وهما منه بأن ذلك يمنعها من النهوض والعودة إلى المطالبة بحقوقها. وإنما الويل لمثل هذا الملك؛ فأيامه مظلمة، وأحلامه مزعجة، وبلاده تنتابها القلاقل والفتن. وما كان ضغطه على الأمة إلا ليزيدها ميلا إلى فك القيود وشوقا إلى الانتقام. وهناك البكاء وهرق الدماء يوم يتفجر بركان الثورة الخامد ويندفع الشعب الناقم فلا وعود تحيله ولا وعيد يهوله. ولك في شارل الأول ملك إنكلترا ولويس السادس عشر ملك فرنسا عبرة وذكرى.

وما عليك إلا أن تعود إلى تواريخ الأمم فترى أن ما أشرنا إليه من دواعي الثورة هو ما أدى إليها في عهد هذين الملكين وغيرهما من الملوك السالفين، بل هذه ثورتنا وثورتا جارتينا إيران وروسيا فإذا بحثت في أسبابها تبينت أنها هي على ما قدمناه.

ومما يجمل ذكره وإن خرج عن مدار بحثنا هذا هو أن أكثر الثورات يتبع بعضها بعضا وتتفاوت أزمان وقوعها بتفاوت الأمم النازعة إليها في الاستنارة والعلم. ومثال ذلك حدوث الثورة الإفرنسية على أثر الثورة الأميركية والأمتان يومئذ في منزلة واحدة من الرقي، ثم حدوث ثورات سائر الشعوب الأوروبية المتقاربة في العرفان من مثل بروسيا والنمسا وبلجيكا على أثر الثورة الإفرنسية الثانية، ثم ثورات الروس والفرس والعثمانيين وهم على درجات متشابهة في العرفان وقد جاءت كل واحدة تلو الأخرى.

Bog aan la aqoon