لغتكم يا أيها العرب
أذيعت سنة ١٩٥٧
كنت أقلب أمس أوراقًا لي قديمة وأنا قاعد أفكر في موضوع أتحدث فيه اليوم إليكم فوجدت عددًا قديمًا مصفرًا من جريدة (فتى العرب) من يوم كنت أعمل فيها مع الأستاذ معروف، ﵀، من قبل سبع وعشرين سنة، فيه مقالة لي من سلسلة (أحاديث ومشاهدات) التي كنت أنشرها في تلك الأيام، ففرحت به وعدت إليه أقرؤه، لأني فقدت مع الأسف أكثر ما كتبته وضاع مني، وكانت المقالة موجهة إلى مجلس المعارف الكبير وقد استهلت بخلاصة قصة (الدرس الأخير) لـ (الفونس دوده). يقص فيها على لسان صبي من الألزاس، كيف هرب من المدرسة، وأخذ طريق الحقول، ليقطع النهار في اللهو واللعب، ثم بدا له، فعدل عن هذا وذهب إلى المدرسة، فإذا هو يرى الناس يسرعون السير في الشوارع، مصفرة ألوانهم، تبدو عليهم أمارات الذعر والألم، وإذا هو يرى الأستاذ يذهب ويجيء في باحة المدرسة، قلقًا مضطربًا، وقد قعد بعض أهل القرية على مقاعد الصغار، واجمين شاخصين، فانسل إلى مكانه متحيرًا لا يدري ما الخبر، وإذا بالأستاذ يعلو المنبر ويقول بصوت مرتجف ورنة حزينة كأنها رنة بكاء مكتوم:
أولادي. هذه آخر ساعة أراكم فيها، ثم نفترق إلى غير تلاق، لأن بلادكم قد احتلها الألمان (وكان ذلك في حرب السبعين) وصارت دروسكم باللغة الألمانية فلا فَرَنسية بعد اليوم.
وخنقته العبرات فما استطاع أن يتم كلامه، فعاد يقول:
والآن: أصغوا لي لألقي عليكم (الدرس الأخير) باللغة الفرنسية وقم أنت يا فلان.
1 / 7