فلم تكترث لورانس لهذه الإهانة، وقالت: إن هذا الزواج كحكم على ابنتك بالإعدام وإليك البرهان: انظر إلى هذه الرسالة فهي تودعني بها التوديع الأخير، وكان ينبغي أن تسلم إلي بعد حفلة الزواج، ولكن لحسن الحظ سلمها إلي ذلك الصديق الذي تعهد بها قبل الموعد؛ لأنه أدرك غرضها من كتابتها، ولو بقيت هذه الرسالة إلى ما بعد الحفلة لثكلت ابنتك الليلة، وقد قرأنا أنا ووالدتي هذه الرسالة الموجعة، فهي مبللة بعبراتنا، فاقرأها حتى تتحقق أن هذا الزواج يقتل ابنتك قتلا فظيعا. فألقى الكونت نظرة على تلك الصفحات، فعلم أن ابنته تهوى جاستون دي فاليير وتكره الرجل الذي يريد التزوج بها بشفاعة أخته، فقال للورانس بصوت مؤثر: كوني مطمئنة؛ فإن بوليت تعيش، وهذا الزواج لا يعقد، وأحمد الله على أن في الوقت متسعا. فانبرت الإيطالية تقول باحتقار: لقد كان يجب علينا أنا وأخي أن نتوقع الحنث من الرجل الشريف الذي يبيع شرفه بأرخص الأثمان. قال دي موري: بل أنت واهمة؛ فلست أنسى ما لكما علي من دين، ولكن بدلا من أن أعهد إلى ابنتي بوفائه سأفيه بنفسي في هذه الليلة ... فكونا واثقين بأن شرف الرجل النبيل لا يستمر رهينا بين أيديكما أو بين أيدي سواكما. إن دمي يفي الدين الذي عجزت عن قضائه بمالي.
فصرخت لورانس صرخة هائلة، وقالت: أحقا أنك تجود بنفسك لتفي دينا مستحقا؟ وأنك عازم على الانتحار لأجل النقود؟ إذن كل شيء ينقضي على سلام، فأنا أنقذك وابنتك معا! ...
فصاحت الإيطالية: أنت! وقال الكونت: كيف تستطيعين إنقاذنا؟
أجابت: عندما حكمت المحكمة بطلاقنا سلمت إلى المسجل نحو ثمانمائة ألف فرنك، فهذا المال خذه يا روجر، إنه مالك. أجاب: لست بقادر على قبول عطيتك، وأنت الشخص الوحيد الذي أرد مساعدته. قالت: إذن فالوالد والولد يجودان بالروح؛ لأن الأم كانت ... قال: لأن الأم كانت مجرمة، ذلك عقاب المرأة الزانية.
فكبر عليها سماع ذلك الكلام، ورفعت رأسها وقالت: كفى، وحسبي ما لقيت من خجل وشجن ويأس، أما الآن فنفسي تنهض ثائرة ورأسي يرتفع. فصاح الكونت: ما معنى هذا الكلام ...؟
وإذ ذاك دخلت زوجة الأميرال في البهو، ويذكر القراء ما قالته لورانس منذ هنيهة؛ فإنها قرأت ووالدتها معا رسالة بوليت، فبادرت لورانس مسرعة، أما أمها فتأخرت عنها إلى ذلك الحين.
فصاحت لورانس: تعالي يا أماه. قالت: فكيف بوليت؟ قالت: إنهم يمنعونني من إنقاذها. قالت: ماذا تقولين؟ أجابت: أقول إن الكبرياء لا بد أن تسوق الكونت دي موري إلى أحد أمرين: انتحاره أو قتل ابنته.
فانثنت إلى الكونت وقالت: أصحيح ذلك؟ فأجابها: إنني أحكمك في هذه القضية. أجابت تحكمني أنا؟ أجاب: نعم. قالت لورانس: وهل ترضى بحكمها؟ أجاب: نعم أرضى. قالت: وهل تقسم على هذا الرضى؟ فرفع يده وأجاب: نعم، أقسم.
قالت: إذن دعني لأخلو بوالدتي إذ لا بد لي أن أكلمها على انفراد. فنهض الكونت وقال لزوجة الأميرال: إني أسلمك ما هو أعز عندي من الحياة؛ إنني أسلمك شرفي.
فأجابته: وإنني لحريصة عليه فلا تخف.
Bog aan la aqoon