رفعت «جليلة» رأسها قليلا عن الرمل، ونظرت إلى صدرها الذى يعلو ويهبط، وجلدها الذى دبغته الشمس ثم مدت بصرها إلى ساقيها وإلى أصابعها التى عنيت بصبغ أظافرها، وابتسمت ابتسامة الرضى والاغتباط، ثم ردت رأسها وظلت راقدة وتركت الشمس تفعل فعلها فى جسمها العارى من الصدر إلى الردفين ومن الساقين إلى الأخمصين وكانت هذه عادتها مذ جاءت إلى الاسكندرية.. تخرج كل صباح من الفندق فى ثياب الاستحمام، فتلقى بنفسها فى الماء فى هذه الناحية المنعزلة وتسبح ما شاءت قريبا من الساحل، ثم تخرج إلى الرمل وترخى ما على صدرها من ثوب البحر وتعريه للشمس، لتفيد ما قيل لها أن أشعة الشمس تفيده من الصحة والعافية. ولم تكن تلقى أحدا فى هذا المكان أو تخشى أن يتطفل عليه فيه مخلوق، لبعده وضيقه واحتجابه وكثرة ما يحيط به من الصخور.
ولمحت زورقا شراعيا يشق الماء من بعيد فنهضت واتكأت على كوعها، وراحت تنظر إليه تارة وإلى أظافر قدميها المصبوغة تارة أخرى ثم أرهفت أذنيها، فقد خيل إليها أنها سمعت صوتا يشبه صوت تكسر العود داسته قدم.. فنسيت أظافرها وانطرحت على بطنها وعينها إلى الناحية التى تتأدى إليها منها الصوت، فما لبثت أن سمعت وقع أقدام - أو قدمين على الأصح - فما أسرع ما جلست على ركبتيها، ورفعت الثوب فغطت صدرها. وكانت أصابعها لا تزال تعمل فيه لتربطه، حين وقف أمامها رجل وسيم معتدل القامة حسن البزة عارى الرأس، فحدقت فى وجهه.. فقد وقف مفتوح الفم وكأنما بهره جمالها ثم قال: «أرجو المعذرة».
فلم تقل جليلة شيئا وظلت قائمة على ركبتيها تنظر إليه، فضحك فجأة وبلا مناسبة ظاهرة، ثم كف فجأة وقال: «أرجو المعذرة.. لكأنك حواء تصلى فى الجنة».
فقالت بلهجة امتزج فيها الغضب بالسرور المكبوح: «ماذا تعنى بحواء والجنة»؟
قال: «من الاتفاق الغريب أن اسمى آدم، وقد كنت وأنا ماش أتوقع - أخشى فى الحقيقة - أن ألقى حية ... ولكنى على التحقيق لم أكن أتوقع أن ألتقى بحواء».
وضحك مرة أخرى، فقالت بحدة: «ليس اسمى حواء». فقال بابتسام: «هل لى إذن أن أسأل ما اسمك»؟
قالت: «كلا.. لن أخبرك» قال: «إذن سأسميك حواء فإنه أليق ما يكون.. وليت من يدرى هل كان لحواء بحر كهذا فى الفردوس»؟
ونظر إلى البحر، ولكنها ردته بقولها: «سمنى ما شئت فإنى راجعة إلى الفندق». وهمت بالنهوض، فقال: «سأرافقك إليه فإنى نازل فيه إذا كان هو هذا» وأشار الى ناحيته.
ولكنها لم تذهب، بل وقفت وقالت، وقد جنحت إلى العناد: «بل سأبقى هنا». فوافق الرجل بسرور وقال: «حسن جدا.. سأبقى أنا أيضا.. لأسليك وأونسك فى وحدتك».
فهزت جليلة كتفها هزه خفيفه، وعادت إلى الرمل فجلست عليه، فجلس مثلها بثيابه الأنيقة وراح يجيل عينه فى مفاتنها ... وكانت هى أيضا تتأمل كتفيه العريضتين ووجهه القسيم وشعره وساقيه المفتولين، ولا يبدو عليها أنها غير راضية عن وجوده وتطفله عليها فى هذا المكان الذى كانت تظنه نائيا عن الخلق.
Bog aan la aqoon