أما والتوحيد هو العقيدة الأزلية الثابتة جاءت بها الأديان وأثبتها العلم، فقد برع خيال الكتاب والمؤرخين في تصوير نشأة بيت الله الأحد ومبدأ بنائه، وقد تحايلوا لذلك على تفسير ما ورد من آيات القرآن الكريم فيه، فالقرآن صريح في:
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ، وفي أن إبراهيم وإسماعيل هما اللذان رفعا قواعد هذا البيت، مع ذلك رأى بعض المؤرخين أن يجعل الملائكة بناة البيت قبل أن يبرأ الله الأرض ومن عليها، وأن آدم بناها بعد ذلك، وذكر بعضهم أن شيثا أول من بنى الكعبة، فأما المشهور عن أكثر العلماء فهو أن أول من بنى البيت إبراهيم؛ بهذا قال علي بن أبي طالب وجزم به ابن كثير في تفسيره.
والذين يذكرون أن الملائكة بنوا البيت يقصون رواية لها جمال شعري فيه طابع الفن؛ إذ يصورون المعنويات صورة مادية، فهم يروون أن الله غضب على الملائكة حين قال لهم:
إني جاعل في الأرض خليفة
فقالوا:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك . وكان مظهر غضبه - جل شأنه - أن أعرض عنهم، فلاذ الملائكة بالعرش ورفعوا رءوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا من هذا الغضب، وطافوا بعرش الله سبعا كما يطوف الناس بالبيت الحرام وهم يقولون: لبيك اللهم لبيك، ربنا معذرة إليك، نستغفرك ونتوب إليك، فنظر إليهم ونزلت الرحمة عليهم، ووضع الله - سبحانه وتعالى - تحت العرش بيتا هو البيت المعمور على أساطين أربع من زبرجد تغشاهن ياقوتة حمراء، وسمي ذلك البيت الضراح، ثم قال الله - تعالى - للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش، فكان طوافهم به أيسر من طوافهم بالعرش، ثم أمر الله الملائكة من سكان الأرض أن يبنوا في الأرض بيتا على مثال البيت المعمور، وأمر من في الارض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. وفي بعض الروايات أن هذا البيت الذي بني في الأرض هو الذي سمي الضراح، وأن الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام فكانوا يحجونه، فلما حجه آدم قالت له الملائكة: بر حجك يا آدم، حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام.
1
وفيما روي عن بناء آدم الكعبة روعة شعرية كروعة بناء الملائكة إياها، فقد قيل: إن آدم سأل ربه بعد أن هبط وزوجه من الجنة: يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا أحسهم؟ قال: بخطيئتك يا آدم، ولكن اذهب فابن لي بيتا فطف به واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي، فأقبل آدم يتخطى الأرض حتى بلغ مكة، هنالك ضرب جبريل - عليه السلام - بجناحه في الأرض السفلى، فقذفت فيه الملائكة من الصخر ما لا يطيق حمل الصخرة ثلاثون رجلا، وعلى هذا الأساس بنى آدم البيت متخذا أحجاره من خمسة أجبال: من لبنان، وطور سيناء، وطور زيتا، والجودي، وحراء، وفي رواية تفرد ابن لهيعة في نسبتها إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما: ابنيا لي بيتا، فخط لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحواء تنقل، حتى إذا أجابه الماء نودي من تحته حسبك يا آدم، فلما بنيا أوحى الله - تعالى - إليه أن يطوف به، وقيل له: أنت أول الناس وهذا أول بيت، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه.»
Bog aan la aqoon