وكانت للمرأة مقام أمامي في كل تفكيري الارتقائي لبلادنا؛ ولذلك كتبت وألفت الكتب في ضرورة مساواتها بالرجل، ليس في الحقوق فقط بل في الواجبات، حتى تختبر الدنيا وتعيش إنسانا مجربا عارفا حكيما كالرجل سواء؛ ولذلك يجب أن تزامل الرجل في المدرسة والمصنع والمتجر والمكتب.
ووجدت أن مكافحتنا للاستعمار الأجنبي لن تكون ناجحة كاملة إلا إذا كافحنا الرجعية المصرية الخانقة؛ ولذلك لم أهمل الدعوة إلى الآراء المصرية في الأخلاق والعقائد.
ومنذ شبابي وأنا على يقين بأن الحضارة الأوربية ليست هي الكلمة الأخيرة في تاريخ الحضارات، وإنما هي فترة انتقال من الانفرادية البغيضة إلى الاشتراكية السخية، ولم أنكر يوما ما هذا المذهب الذي جلب علي كثيرا من المتاعب من دعاة الظلام من الرجعيين المصريين والمستعمرين الإنجليز.
والقارئ لهذا الكتاب يجد آرائي مبسطة موجزة، فإذا شاء التعمق فليقرأ مؤلفاتي الأخرى.
الفصل الأول
من هو العظيم
حدث مرة أن جريدة «الماتن» استفتت قراءها عن أعظم رجل فرنسي خدم فرنسا؟ فجاءتها الخطابات تترى من جميع الأنحاء وجميع كاتبيها غيورون على أن يكون عظيمهم عظيم الأمة بأجمعها، وكان من المنتظر أن نابليون سيفوز بأكبر عدد من الأصوات، ولكن جاءت النتيجة عكس هذا المنتظر وظهر على قمة العظماء شخص قد لا تكون قد سمعت به وهو باستور.
ومن باستور هذا الذي أربت أصواته على الأصوات التي نالها نابليون؟
باستور رجل وضيع الأصل، اشتغل بالعلم فعرف الميكروب، وأوجد مصلا لمرض الكلب، وعالج كروم فرنسا من وباء كان يفتك بها، واهتدى إلى طريقة لتطهير اللبن، وهذه الأشياء الوضيعة أدرك الشعب الفرنسي أنها أكبر من المعارك العظيمة التي خاضها نابليون ورفع بها شأن فرنسا الحربي؛ ولذلك حكم لباستور بالتفوق في العظمة.
فالشعب الفرنسي يقول بصريح القول: إن العظمة هي الفائدة التي تعود على الأمة من العظيم الذي ينشأ بينها، وعظمة نابليون ليست طبلا أجوف رنانا لا فائدة فيه، فإن فرنسا كانت في بداية تسلمه مقاليدها أكبر مما كانت عليه عندما انهزم، وأسره الإنجليز، ونفوه، بعد أن كبد الفرنسيين نحو مليون قتيل، وأما باستور فإنه أنقذ ثروة الوطن ووقى الأطفال من الموت أو خفض آلام المرضى وفتح للطب فتحا عظيما، وإذا كان الأطفال يستهويهم ذكر نابليون ويتغنون بمدحه ويصلصلون بسيفه فإن الرجل الذكي لا يرى مندوحة من أن يحكم بالعظمة الحقيقية لباستور دون نابليون.
Bog aan la aqoon