Fi Calam Ruya
في عالم الرؤيا: مقالات مختارة لجبران خليل جبران
Noocyada
رجوع الحبيب
ما جاء الليل حتى انهزمت الأعداء وفي ظهورهم بضع السيوف ووخز الرماح، فعاد الظافرون حاملين ألوية الفخر، منشدين أهازيج النصر على توقيع حوافر خيولهم المتساقطة كالمطارق على حصباء الوادي.
1
أشرفوا على الجبة وقد طلع القمر من وراء فم الميزاب، فظهرت تلك الصخور الباسقة متشامخة مع نفوس القوم نحو العلاء، وبانت غابة الأرز بين تلك البطاح، كأنها وسام مجد أثيل علقته الأجيال الغابرة على صدر لبنان.
ظلوا سائرين وأشعة القمر تتلمع على أسلحتهم والكهوف البعيدة تتقلد تهاليلهم، حتى إذا ما بلغوا جبهة العقبة أوقفهم صهيل فرس واقف بين الصخور الرمادية كأنه قد منها، فاقتربوا إليه مستطلعين، وإذا بجثة هامدة مرتمية على أديم التراب المجبول بنجيع الدماء، فصرخ زعيم القوم قائلا: «أروني سيف الرجل فأعرف صاحبه.»
فترجل بعض الفرسان وأحاطوا بالمصروع مستفسرين، وبعد هنيهة التفت أحدهم نحو الزعيم وقال بصوت أجش: «لقد عانقت أصابعه الباردة قبضة السيف بشدة، فمن العار أن أنزعه.»
وقال آخر: «لقد لبس السيف غمدا من الدماء فاختفى فولاذه.»
وقال آخر: «لقد تجمدت الدماء على الكف والقبضة، وأوثقت الشفرة بالزند فصيرتهما عضوا واحدا.»
فترجل الزعيم واقترب من القتيل قائلا: «أسندوا رأسه ودعوا أشعة القمر ترينا وجهه.»
ففعلوا مسرعين، وبان وجه المصروع من وراء نقاب الموت، ظاهرة عليه ملامح البطش والبأس والتجلد، وجه فارس قوي يتكلم بلا نطق عن شدة رجوليته، وجه متأسف فرح، وجه من لقي العدو عابسا، وقابل الموت باسما، وجه بطل لبناني حضر موقعة ذلك النهار ورأى طلائع الاستظهار، ولكنه لم يبق لينشد مع رفاقه أهازيج النصر.
Bog aan la aqoon