مدت محيية إليك الأغصنا؟
إنه حماقة وغرور!
ولكن أين يذهب الأدب والشعر وبليغ الكلام، وبديع القرائح لولا هذه الحماقة، وهذا الغرور في ذلك الممدوح؟ ومتى كان للأدب في تلك الأزمنة عائل غير هؤلاء الحمقى والمغرورين من أشباه ذلك الممدوح؟
ما التوابل والأفاوية التي كانت تشق من أجلها البحار، وتقتحم من أجلها مخاطر الأسفار؟
إنها حماقة وغرور! وفي سبيل هذه الحماقة والغرور كشفت القارة الأمريكية، واتصلت جوانب الكرة الأرضية، وخرج كولمبس بسفينته لينتهي إلى الهند من غياهب بحر الظلمات، فلم يكن هذا الخاطر كله إلا حماقة وغرورا تنبعث من حماقة وغرور.
ومع هذا يهون على بني الإنسان أن يعصف الزمن بكل ما كان في عصر كولمبس من الرشد؛ ليبقى لهم ضلال هذه الحماقة وذلك الغرور.
اذكر هذا يا صاحبي واذكر ما كان يلقاه كولمبس لو أنه مثل في «مكتب شيوعي»؛ ليستأذن في السفر بمن معه من النواتية والعمال، أكان بعيدا أن يدور بين كولمبس ورئيس المكتب المسئول حوار كهذا الحوار، وأن يكون مصيره بعد ذلك إلى لهب النار أو جوف البحار؟ - إلى أين تذهب يا هذا؟ - إلى الهند من طريق المغرب! - وهل ترجو الوصول حقا من هذا الطريق؟ - لي في ذلك عظيم الرجاء! - وهبك في حل من أن تغرر بنفسك، فهل يحل لك أن تغرر بهؤلاء النواتية المساكين وهؤلاء الأجراء المرهقين؟ في أي سبيل يحل كل هذا التغرير؟
في سبيل الحرائر والأبازير التي انقطع ورودها من طريق المشرق، وعز انقطاعها على الموسرين والأغنياء!
لو نجا كولمبس من هذا الحوار بكلمة «مرفوض» دون غيرها لعددناه من السعداء، وكيف كان ينجو بها دون غيرها وهو ذلك الشيطان الرجيم، الذي يغرر بحياة النواتية والأجراء؛ ليستطيب الحمقى والمغرورون لبس الحرير، وأكل الأبازير!
حذار يا صاحبي أن تسلم دوافع الحياة إلى مسيطر عادل أو جائر، وأن تقيدها بحكمة حكيم أو شهوة شهوان، إنك على أمن حين تمنع الجريمة والعدوان وتسلم زمامهما إلى القانون، ولكنك ترى كيف تكون العاقبة حين نسلم ما نسميه بحماقة الحمقى إلى ما نسميه بحكمة الحكماء، أو صلاح العلماء، فكيف تكون الحال لو سيطر الغباء على الذكاء، أو تصرف الضلال بالرشاد؟ •••
Bog aan la aqoon