أو هذا البيت:
أعيا الهوى كل ذي عقل فلست ترى
إلا صحيحا له حالات مجنون
أو هذا البيت:
وقد تعوضت عن كل بمشبهه
فما وجدت لأيام الصبا عوضا
لأن الأداة هنا موجزة سريعة والمحصول مسهب باق، وكذلك لا تصل في القصة إلى مثل هذا المحصول إلا بعد مرحلة طويلة في التمهيد والتشعيب، وكأنها الخرنوب الذي قال التركي عنه فيما زعم الرواة: إنه قنطار خشب ودرهم حلاوة! أما مقياس الطبقة التي يشيع بينها الفن، فهو أقرب من هذا المقياس إلى أحكام الترتيب والتمييز، ولا خلاف في منزلة الطبقة التي تروج بينها القصة دون غيرها من فنون الأدب، سواء نظرنا إلى منزلة الفكر أو منزلة الذوق، أو منزلة السن أو منزلة الأخلاق، فليس أشيع من ذوق القصة، ولا أندر من ذوق الشعر والطرائف البليغة، وليس أسهل من تحصيل ذوق القصة، ولا أصعب من تحصيل الذوق الشعري الرفيع حتى بين النخبة من المثقفين.
قال صاحبي: على أنهم قد أثاروا في أوائل هذا القرن ضجة حول القصة بالغوا فيها أيما مبالغة، وخيلوا إلى الناس أن فنون الأدب كلها عالة عليها، وأنه لا كتابة لمن ليست له قصة.
قلت: لقد فعلوها حقا، وكان ذلك على أثر ضجة أخرى هي ضجة الكلام الكثير في الدراسات النفسية و«السيكولوجية» بأنواعها، فبدا لبعضهم أن القصة هي المعرض الوحيد لتطبيق هذه الدراسات في الكتابة الأدبية، وأنها هي الوسيلة القريبة لفهم العلاقات بين النفوس البشرية، وتفسير المواقف والمشكلات التي تنجم عن غرائب الطباع، ولم تخل ضجة القصة من أسباب قوية غير «السيكولوجية» وكثرة الكلام فيها، فإن شيوع القراءة بين الدهماء قد أشاع معها القصة التي تفهمها الدهماء، وتؤثرها على غيرها من الفنون الأدبية، وجاء شيوع الصور المتحركة بعد شيوع القراءة، فأملى للدهماء في هذه النزعة، أو هذه «الهواية» حتى غلبت عليهم وسرت منهم إلى النقاد الذين يتبعون الجماهير، ويسمون نزواتها بروح العصر، وهي نزوات بغير روح! وجاء بعد شيوع القراءة، وشيوع الصور المتحركة شيوع آخر هو شيوع الدعوة الشيوعية بين طائفة من طلاب الهدم والانقلاب، فعند هؤلاء أن القصة أشرف أبواب الأدب؛ لأنها تكتب للجهلاء وتصلح لبث الدعاية الشيوعية. وعندهم أنها لا ينبغي أن تدار على موضوع غير موضوع القضايا الاجتماعية، كأنهم يضربون الجهل على الفقير ضربة لازب، أو كأنما هذا الفقير لا يكفيه الضنك الذي يضنيه في ساعات العمل أو في طلاب العيش، فلا يزال في ضنكه حين يفتح الكتاب، وحين يقرأ الصحيفة وحين يحلم وحين يناجي ضميره، وحين يحب أن يعرف له من خصائص الإنسانية شيئا غير المعدة والزاد.
قال صاحبي: هان ذلك كله لو أنهم دبروا الزاد للفقير.
Bog aan la aqoon