Fi Awqat Firagh
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Noocyada
وفي كل هذه الساعات المؤلمة المفجعة لم تنزل من عيون الأم دمعة تهدئ بعض الشيء من حزنها ولوعتها. وكلما خرج بها الحزن عن طوقها أمسكت بيدها يد المائتة، وانحنت فقبلت جبينها وصدغها وثغرها.
وأخيرا، بعد زمن طويل، سويعة مستبشر ودهر محزون، بهت زجاج النافذة وابتدأت أشعة النهار تنسل إلى الغرفة الصامتة؛ فخفت نور المصباح وانتشرت في جو المكان خيوط الضوء، خيوط اليأس والأمل. وتبينت السماء. فلما وقع عليها نظر الأم ردته إلى ابنتها ثم ردته إلى السماء وهمست: ما أقسى الموت! إن هذا حرام، ثم ارتمت إلى الأرض مهدودة، وأسبلت عينها تود لو تختلط روحها بروح ابنتها الذاهبة.
لكنها ما لبثت أن حدقت بنظرها من جديد إلى الوجه الشاحب أذبله الموت، وقد كان من ساعات يتلألأ بنور الحياة. حدقت به حتى لا تترك لحظة من اللحظات الباقية على الفراق الأخير من غير أن تكون مع ابنتها ولابنتها. حدقت بعيون ثابتة جامدة، كأنما امتلأت موتا هي الأخرى. وفي كل هذه الساعات الطويلة لم تنزل من عينها دمعة واحدة.
وأخيرا فتح الباب، ودخلت إحدى قريباتها صارخة نادبة، ثم لم تكن إلا لحظة حتى امتلأ المكان وحتى أفرجت الدموع شيئا من كربة الأم المصابة.
وإلى اليوم لا تزال الأم المملوءة القلب بالإيمان والتقوى جامدة العين ذابلة اللب مشردة الخاطر، تشتملها سحابة من حزن أليم لا تسعده دمعة ولا ينجع فيها عزاء، وكلما أراد أهلها وأصحابها أن يجيئوا لها بمن يرد دينها الذي خرجت منه حين شقت جيبها تتداولها التقوى والذكرى، فتنهزم الأولى أمام الأخرى، وترفض الحزينة ما يريدون.
هل لمثل هذه الأم في الحياة عزاء؟! ...
حديث شباب
كانت الساعة العاشرة صباحا حين فتحت عائشة عينيها بعد نومها الطويل. فرفعت جفنها بالقدر الذي يسمح لها أن ترى النور من خلال ستار النافذة. ثم أمالت رأسها وفتحت ذراعيها متمطية متثائبة حين تميزت خيطا من شعاع الشمس، ينعكس في المرآة وعلى سريرها. وقامت بعد ذلك متكئة على المخدة تنظر بعيون وسنى لكل ما أمامها. وظلت كذلك حتى نبهتها الخادمة بدخولها. فلما علمت أن ستها قد استيقظت بادرت فناولتها رسالة وقالت: سيدي أعطاني الجواب ده علشان ستي.
فأخذت عائشة بيد فاترة وأمرتها أن تفتح أبعد ستار عنها. ثم فضت الرسالة، فإذا هي ممضاة من صديقتها نفيسة، وإذا فيها:
عزيزتي عائشة
Bog aan la aqoon