Aqoonta Suugaanta iyo Nolosha
في الأدب والحياة
Noocyada
مستبد يقوم في أمة من الأمم فيقتل حرياتها قتلا، ويستولي على الزمام من أمورها عنوة وغصبا، ويهدر كل يوم من أبنائها دماء ربما كانت أزكى من دمه، ويعقل منهم عقولا ربما كانت أرجح من عقله، ثم يغويها بكلمات جوفاء ك «الماضي المجيد الذي تعمل على إحيائه»، و«التراث العظيم الذي تعمل على بعث رفاته»، و«ستحاربون منتصرين بعد خمس سنوات فتزلزلون الأرض وتحميكم أرواح الأجداد»، و«الإمبراطورية العظيمة تنتظركم فوق الأرض وملكوت الله في السماء»؛ فلا تلبث الجماهير أن تنقاد متحمسة للذل، متفانية في العبودية، مستميتة في حب الخضوع والاستكانة.
وصحفي يحاول أن يستغل غفلة الجمهور فيقدم له على صفحة لا أكثر، من ورق لامع وصور متقنة، من فاتنات يرقصن عاريات، أو فتيان يغازلن فتيات في عهر وغواية، أو رواية وقائع لا تروى إلا بين أهل الدعارة، وكلمات يفزع منها كل إنسان عرف قيمة نفسه، فيندفع الجمهور المحتقر في نظر هذه الصحف، الممتهن في عقليته ومستوى آدابه، المتهم في مقدار حكمه على الأشياء؛ وراء هذه الصحف يعضدها لا بإعجابه ولا بمديحه، بل بماله. صحف تعيش على استغلال أحط الصفات البشرية، وتقرض بالربا الفاحش غواية تلقاء ضلالة من الجماهير، لهي صحف تتهم عقلية قرائها بالفساد، وتنشر علنا وتحت حماية من القانون صورا خلقية لم تفكر الحكومات بعد في صيانة الجماهير من أدوائها العديدة.
وإني لأعجب كيف أن حكومة كالحكومة المصرية هيأت قواها بمثل هذه الحملة المبرورة ضد السموم البيضاء التي لا تصيب إلا أفرادا، ولا تقتل إلا مناكيد المجتمع ممن قضى عليهم ضعف العزيمة وفقدوا الشجاعة، تجيز نشر صحف تنفث سمومها لا في الأفراد بل في المجموع، وتعيث فسادا في الأرض وتقيم سدا في وجه المصلحين الذين يحاولون رفع المستوى الأدبي والعلمي، أين منه سد الإسكندر، كلا بل سد يأجوج ومأجوج!
عصر النقد
في الأدب الحديث جانب من النقص لم أعرف حتى الآن كيف يمكن إصلاحه، فإني لم أتبين من منازع الأدباء حتى اليوم أن هنالك بادرة ترمي إلى القضاء على هذا النقص.
أعرف من الأدب في أول ما أعرف منه أنه طريقة في الوضع تقابلها طريقة في النقد. أما طريق الوضع فقد قطعنا فيه شوطا لا بأس فيه على وجه الإجمال، وأما طريق النقد فذلك هو النقص الذي لا نزال نحسه في الأدب الحديث، هذا في عصر يقول فيه «كانت»: «يمكن أن نصف هذا العصر بأنه عصر النقد؛ النقد الذي اضطر كل شيء إلى الخضوع له. فالدين على عرش القداسة، والقانون على عرش العظمة، قد حاول كلاهما مرات أن يفلت من الخضوع لهذه الضرورة، غير أنهما بما حاولا في هذا الشأن قد أقاما في الأذهان شكا فيما يعضدهما من الأسس والقواعد، كما أنهما عدما بهذا كل ما حبا العقل غيرهما به من الأشياء التي أثبتت قدرتها على الثبات أمام النقد الحر.»
أخرجت منذ مدة كتيبا في مقارنات تاريخية تقليدية سميته «قصة الطوفان وتطورها في ثلاث مدنيات قديمة: هي الآشورية البابلية والعبرانية والمسيحية، وانتقالها باللقاح إلى المدنية الإسلامية»، وأرسلت منها هدايا للصحف والمجلات التي خيل إلي أنها تقدر الاطلاع على مثل هذه البحوث، فكانت الباكورة أني اطلعت في إحدى مجلات العراق على نقد جاء فيه: «إسماعيل مظهر مغرم بكل ما يخالف معتقد الأقوام الذين يعيش في وسطهم، وقد يصيب في بعض الأحيان فيما ينكره عليهم (الحمد لله)، لكن في أغلب الأحايين يخطئ الهدف.»
ثم قال الكاتب: «وأول ما يشاهد في مطبوعات دار العصر أغلاط الطبع، فإنها تسبق جميع المطابع في هذا الميدان.» ثم قال: «ونراه كثيرا ما يجعل بجانب الكلمة الاصطلاحية العربية الكلمة الإفرنجية، في حين لا حاجة إلى ذكرها لشيوع معرفتها عند الجميع، مثل الدين والفلسفة والتأمل والعلم إلى نحوها.» ثم قال: «وكثيرا ما يخطئ الكاتب في معرفة الألفاظ العربية الاصطلاحية، فإنه ذكر في ص15: أنثروبومورفزم، أي الفكرة القائلة بتزويد الله شيئا من الخصائص الإنسانية. والمعروف عند السلف (رضي الله عنهم) بهذا المعنى مذهب المشبهة أو التشبيه. وسمى الفلسفة الحسية بالفلسفة الإثباتية، وكيف جاز له أن يسميها إثباتية والحس أساسها، والحس كثير الانخداع كما هو مقرر في علم الطبيعيات.» إلى غير ذلك، ثم ذكر أني أخطأت في تعريب أسماء أعرف أنه لا يصيب في تعريبها الآمن درس اللغات القديمة، وعلى الأخص الآشورية والكلدانية.
وإني لا أريد أن أناقشه فيما ذهب إليه، وعلى الأخص لدى اعتراضه على اصطلاحي «ذاتي» و«موضوعي»، اللذين أراد ترجمتهما بالذهني والغرضي على ما قال السلف، مع أن المقصود منهما في الفلسفة الحديثة بعيد عما ذهب إليه هذا السلف. ولا أريد أن أنبهه إلى أني ترجمت اصطلاح أنثروبومورفزم ب «الناسوتية»، وأني أول من ذهبت هذا المذهب في ترجمتها وأغفل مناقشتي فيها. ولا أريد أقول له إن ترجمة فلسفة كونت
بالحسية خطأ محض وداهية دهياء على الفلسفة وأهلها. ولا أريد أن أقول له إني جريت في ترجمتها بالإثباتية على قول السلف؛ إذ كانوا يقولون فلان جبري وفلان إثباتي أو مثبت. ولا أريد أن أنبهه إلى أن الفلسفة الإثباتية لا تقوم على الحس وحده، بل تعتمد بديا كما تعتمد كل العلوم على «تصور» صحيح يثبته الحس بالتجربة أو المشاهدة. ولا أريد أن أوجه نظره إلى أنه اتهم أكثر من صحيفة ومطبعة بالأخطاء المطبعية، فقال في جريدة «البلاد» التي يصدرها في بغداد الأديب الفذ «روفائيل بطي» أن أغلاط الطبع تتدفق فيها تدفق السيل العرم. لا أريد أن أنبهه إلى شيء من هذا، بل أريد أن أسائله - بعد أن أسلم جدلا بكل نقوده هذه - أين الموضوع يا أستاذ؟ كل ما قلت صحيح! ولكن ما رأيك في مقدمة الكتاب وفي الموضوع نفسه. ذلك الموضوع الذي لم نرم فيه إلى تعريب الألفاظ ولا ترجمة المصطلحات، بل إلى مرمى يعرف الكاتب أنه مهزوم إن ناقشه.
Bog aan la aqoon