قد استعمل عبد الله باشا فكري الأسلوب المسجوع في كل باب وغرض، حتى في التقارير الفنية، والمنشورات العامة و"الفرمانات" فمن ذلك صورة "الفرمان" الآتي بتنصيب محافظ:
"صدر هذا الفرمان المطاع، الواجب له القبول والاتباع، خطابا إلى الحكام والعلماء، والقضاة والأعيان، والوجوه والعمد ومشايخ البلدان، وعموم الأهالي المتوطنين محافظة كذا بجهات السودان، ليكون معلوما لديكم بوصول هذا المنشور إليكم، أنه قد نصت إرادتنا تنصيب فلان محافظا عليكم، لما توسمناه فيه من الدراية, والاستعداد والسلوك في طرق الرشاد، وبذل الهمة في أمور المصلحة ومزيد الاجتهاد ... إلخ".
ومن هذه النماذج المتقدمة نرى أن هذا الأسلوب على ما به من سجع، فإنه سهل متين العبارة، تقل فيه المحسنات المتعمدة، ويطرق أغراضا متعددة؛ منها: الديواني البحت، ومنها: ما يستعمل فيه الشعر, وقد أفاد هذا الأسلوب الكتاب من بعده، وصار لهم قدوة ولكنه أخر تخلص النثر من طريقة هذه المدرسة الديوانية حتى أوائل عصرنا الحاضر؛ لأن أرباب هذا الأسلوب شغلوا المناصب الرفيعة, فظن الشادون في الأدب أنهم لو قلدوهم لوصلوا إلى ما وصلوا إليه، فتمسكوا بأسلوبهم أمدا غير يسير, والحق أن الغرض الأدبي المهم يحتاج إلى عبارة خاصة يحتفي بها الكاتب بعض الاحتفاء، ويضعها في قالب جميل تناسب الغرض الذي قيلت فيه، حتى لا تذهب بنفاسة الموضوع تفاهة العبارة، وتجويد العبارة محبوب مرغوب فيه على شريطة ألا يضحي بالمعنى من أجل لفظة, أو سجعة, أو محسن خاص.
ولقد استطاع عبد الله فكري أن يسترد بأسلوبه هذا للغة العربية مكانتها التي فقدتها عدة قرون، وأن يزيح التركية من أمامها، ويثبت قدميها في الدواوين, وفي لغة الرسائل، واضحة، أدبية، جذابة.
Bogga 157