شرعهم أن يحرموا المال ويمنعوه! فراجعوا أنفسهم وقارنوا بين المال والصدق وبين الدنيا والآخرة، وغلبت عليهم أخلاقهم المتأصلة في كيانهم، فاختاروا المال والدنيا على الصدق والآخرة، ونكسوا على رؤوسهم وعادوا إلى كعب أذلة خانعين وقالوا له: يا سيد يهود، إنا أعجلناك فيما خبرناك به، ولما استثبتنا علمنا أن غلطنا، وليس هو المنتظر!
بهذا الموقف المتخاذل من أحبار السوء كسب كعب الجولة في عدائه للإسلام، فسارع إلى هؤلاء النفر من الأحبار فوصلهم وأغدق عليهم، وأعلن أن لكل من يتابعهم على رأيهم هذا من الأحبار خرجًا من ماله ومنزلة في سلطانه!
وهكذا ضمن كعب يهود إلى جانبه، أما المشركون من قريش فهم معه على كل حال، ولكنه أراد أن يصل ما بينه وبينهم وينسق عمله معهم، فارتحل إلى مكة في سبعين راكبًا من يهود، ونزلوا على أبي سفيان بن حرب فرحب بهم وأكرمهم، ورأى بمقدمهم فرصة مواتية ليثبت قريشًا على عدائها لمحمد ودين محمد، فعقد لليهود مجلسًا في ملأ من قريش وأحلافهم، وقال لهم والناس تسمع: يا معشر يهود، إنكم أهل كتاب، ومحمد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرًا منكم، فإن أردتم أن نحالفكم ونقاتل محمدًا معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما!