أما المتطرفون أصحاب الوحدة العربية الحجازية الإسلامية، فظلوا متشبثين بآرائهم، عاملين سرا وجهرا في نشرها وتعزيزها. وقد كان في المجلس التشريعي، وفي النادي العربي، وفي معية الأمير أيضا من لا يسكتون ولا يعقلون من الحزبين.
جالت لجنة الاستفتاء في فلسطين وسوريا، ففضحت - كما قلت - فرنسا، وأضرت بالقضية العربية، ولم تنفع أحدا في البلاد. وكيف أضرت بالقضية العربية؟ إني أعتقد أنها كانت السبب - بعض السبب إن لم يكن كله - في البلاغ الذي قدمه اللورد آلنبي للأمير فيصل في 9 أيلول، وفيه ما يلي:
إن حكومة بريطانيا ترفض الانتداب في سوريا. إنها توافق على المبدأ الذي يضمن لليهود وطنا قوميا في فلسطين. ليس من شأنها أن توجب على السوريين قبول حكومة لا يريدها أهل البلاد. إن المارشال آلنبي، المسئول لدى مؤتمر الصلح عن الأمن في البلاد، يتخذ الوسائل اللازمة لقمع الفتن والاضطرابات.
وفي 15 من هذا الشهر تم بين الحكومتين الفرنسية البريطانية الاتفاق الذي بموجبه تكفلت بريطانيا بأن تخرج في تشرين الثاني عساكرها من سوريا، بشرط أن العساكر الفرنسية لا تدخل المدن الأربع منها؛ أي دمشق وحمص وحماة وحلب؛ لأن بريطانيا قد عاهدت العرب على تأليف حكومة عربية.
أثار الاتفاق والبلاغ خواطر المتطرفين والمعتدلين من العرب، وبلبل الناس على أن أولي الألباب الممرنين في سياسة التلون والهوادة رأوا في الوثيقتين تناقضا قد يكون تعمده الإنكليز من أجل حلفائهم العرب. فها إن إنكلترا تنفض يدها منا، ولكنها تقول إنها لا توجب علينا حكومة لا نريدها. وها إنها تسحب جنودها من البلاد، ولكنها تبقي السيادة المطلقة بيد المارشال آلنبي. فقام الناس يتظاهرون مثل تظاهرهم احتجاجا على المسيو بيشون، وتأسست لجنة الدفاع الوطني التي باشرت التجنيد.
وكان الأمير في مقدمة المحتجين، فأعاد تصريحه بالوحدة العربية، وأبرق إلى مؤتمر الصلح أن البلاد في اضطراب عظيم، وأن الشعب يقاوم أي خطة تجعله قيد المساومات، ويتنصل من التبعة في الحاضر والمستقبل تجاه الحوادث التي من شأنها هضم حقوقه.
ثم سافر في أواخر أيلول إلى لندن ليسعي شخصيا لدى الحكومة البريطانية في سبيل الوحدة العربية الملطفة التي مر ذكرها، والتي صرح بها على صفحات الجرائد، فقال لمراسل رويتر: «إن معاهدة «سيكس-بيكو» لا تعتبر ولا يعمل بها في نظر الأمة العربية.» وقال لمحرر جريدة «الأيام اليهودية» إنه يعتبر فلسطين جزءا من سوريا، وإنها في نظر العرب ولاية لا بلاد مستقلة. ثم قال إن ما يسعى إليه هو تأسيس دولة عربية تشتمل في الأقل على العراق وسوريا وفلسطين.
إنها خطة في السياسة لا تزدريها الدول العظمى، ولكن القوي إذا غير رأيه يعززه بالقوة، وهو يتغلب حتى إذا تقلب. أما الضعيف بقومه، إن لم أقل بنفسه، فالثبات خير له وأبقى. ها هنا يبدو في الأمير ضعف لا تجده في جلالة أبيه ، وقد ثبت إلى اليوم في مطالبه كلها، فلم تتغير وحدته العربية وتتلون وفقا لحوادث الأيام وسياسات الدول العظام.
أما احتجاج الفرنسيين على الحكم العربي في الشام فلا يخلو من التحامل. قالوا إن العرب لم يحكموا باسم الحلفاء كما تحتم عليهم، وإنما حكموا باسم ملك الحجاز. وهل حكم الفرنسيون في المنطقة الغربية باسم الأحلاف يا ترى؟! وهل حكم البريطانيون كذلك في المنطقة الجنوبية، في فلسطين؟! وقالوا إن الملك حسين عجل في طلب المكافأة على خدماته في الحرب، وكان ينبغي له أن يتربص إلى أن تتم المعاهدة بينهم ويصير الاتفاق بخصوص سوريا. فليت شعري ما الذي فعلوه هم أنفسهم؟ أفلم يقسموا البلاد السورية ويتسابقوا والبريطانيين في الحصول على قسمتهم منها؟!
مرجعيون
Bog aan la aqoon