1
في طليعة الجيش، فضربت الأتراك في درعا في 28 أيلول فهزمتهم، وأسرت منهم عددا كبيرا من الضباط والجنود.
وبعد يومين، في 1 تشرين الأول سنة 1918، دخل الأمير فيصل على رأس الجيش العربي إلى الشام، ودخلت سريات من الجيش البريطاني إلى بيروت.
مناطق الفوضى
عند انتهاء الشهر الأول، أي تشرين الأول، من سنة النصر كانت البلاد السورية قد خلت من جيوش الترك والألمان، فزالت عوامل الحرب الظاهرة، ودخلت الأمة في طور من أطوار السياسة لا يقل بشدائده عن الحرب. أجل، ما كادت تخرج البلاد من مظالم الترك حتى دخلت في ظلمات الفوضى. ولا أظن أن عوامل السياسة - وسمومها - تعددت في بلد من البلدان الصغيرة التي اشتركت في الحرب تعددها وتزاحمها في هذه البلاد السورية، وعلى الأخص في دمشق.
وكانت البلية الكبرى في عوامل السياسة الخفية، جاء الجيش العربي وجاءت معه السياستان العربية والحجازية، وجاء الجيش البريطاني يعضد العرب ظاهرا ويناهض الفرنسيين سرا، فتشعبت سياسة حكومته إلى ثلاث شعب؛ أولها وأهمها وأثبتها المصلحة البريطانية. وجاء الفرنسيون هائجين ناقمين، وفي مقدمة قافلتهم سياسة لبنان، وفي مؤخرها سياسة الموارنة، وفي أولها ووسطها وآخرها سياسة فرنسا في البحر المتوسط.
وكان في البلاد ولا يزال سبع طوائف رئيسية، هي سبع ضربات مذهبية، وفي كل ضربة سبع ضربات وطنية. ثم جاءت اللجنة الأميركية تستفتي هذه الأمة المنكوبة، فزادت بنكبتها بسموم سياستها. أضف إلى ذلك كله وعود الأحلاف والعهود السرية وما فيها من إخلاص كنهه الأخطار، فإذا ما زالت الأخطار زال، ثم حقوق العرب والوحدة العربية وما فيها من أحلام تجلت ساعة العاصفة كقوس قزح في سماء الحرب العظمى، فغدت بعدها كالحباحب في مساء الآمال.
إنك إذا تصورت هذه الحالة العجيبة في شكل دائرة نقطتها البلاد السورية وروح النقطة وحياتها الأمير فيصل، ثم تمثلت السياسات التي ذكرت تحوم حولها وحوله تارة، وطورا تجري كالضباب المكهرب تحتها وفوقها، دون محجة تعرف، ودون قصد ظاهر يدرك، وأضفت إلى ذلك فقدان ركنين من أركان العظمة السياسية، وهما الأمة المتحدة القوية والتقليد الوطني الحي؛ تجلت لك الصعوبات التي واجهت الرجل.
دخل الأمير الشام دخول البطل الظافر، والمنقذ المحبوب، فاحتلت جيوشه العربية ومعهم بعض الجنود البريطانيين البلدان التي فتحت لهم أبوابها وقلوبها مهللة مرحبة، ورفع العلم العربي الرباعي الألوان فوق دور الحكومة من السويداء إلى حلب، ومن دمشق إلى بيروت، فاضطربت على السواحل وفي لبنان أقوام، وطربت أقوام.
على أن العرب في بداءة أمرهم أخطئوا مرتين حربيا وسياسيا؛ فقد أخطئوا في قتلهم الأمير عبد القادر الجزائري، وأخطئوا في إنفاذ شكري الأيوبي إلى بيروت ليحكمها باسم الملك حسين، فما عتمت أن ظهرت في المدينة العقدة السياسية التي حجبتها عن عيون الناس زين الترحيب وأزهار الفوز والتمجيد. أجل، قد امتعض المسلمون أنفسهم من هذا العمل؛ لأنهم كانوا يفضلون أن يقام الحاكم من المدينة نفسها، كذلك يفعل الفاتح الحصيف الحكيم. ولكن الحكم العربي لم يدم أكثر من أسبوع، أمر الأيوبي برفع العلم العربي فوق السراي في اليوم الثاني من تشرين الأول، ثم أمر في اليوم التاسع بإنزاله.
Bog aan la aqoon