Faylasuufka Iyo Fanka Muusikada
الفيلسوف وفن الموسيقى
Noocyada
ولقد كانت الموسيقى المسيحية الأولى من أصل يوناني وعبراني؛ ذلك لأنه لما كانت المسيحية قد نمت وتطورت عن اليهودية، فليس من المستغرب أن يجد قدر كبير من موسيقى المعابد اليهودية طريقة إلى الشعائر الدينية المسيحية. وقد روى القديس بولس أن الترنيمات المسيحية الأولى كانت مستمدة من الطقوس اليهودية. ومن جهة أخرى فقد اندمجت موسيقى اليونانيين والرومان في الموسيقى الدينية للعقيدة المسيحية، وذلك بموافقة كبار رجال الكنيسة حينا، ودون موافقتهم في معظم الأحيان. ولم يكن في الموسيقى المسيحية في البداية من مظاهر الإبداع إلا القليل؛ إذ كانت مزيجا من الشرق والغرب، ومن العبرية والوثنية.
كذلك احتفظ آباء الكنيسة الأوائل بنفس الموقف الفلسفي من الموسيقى الذي وقفه رجال الدين اليهودي من موسيقاهم ومن الموسيقى الوثنية اليونانية والرومانية، فلم ير هؤلاء الآباء في الموسيقى الوثنية إلا نفاقا وشهوانية فحسب. وكانوا يدركون بوضوح أن الموسيقى الوثنية الإباحية المحيطة بالمسيحيين تغري المؤمن العادي إغراء شديدا بأن يتخلى عن ذلك الوعد غير المضمون بالسعادة في المستقبل البعيد؛ لكي يعيش حاضرا يحفل بالمسرات. ولم يكن مركز المسيحية مأمونا، سواء من حيث هي عقيدة، ومن حيث هي قوة سياسية، حتى ذلك الحين. وفضلا عن ذلك، كان المسيحيون يتعرضون للإهانات، وكثيرا ما كانوا يواجهون خصومات لا تحتمل؛ إذ كان الرومان يزدرون هذه العقيدة الجديدة التي تؤكد خلاص الناس أجمعين في الآخرة، ويسخرون منها. ولم تكن هذه وحدها هي الصعوبات التي واجهها آباء الكنيسة، والتي كانت تهدد بإبعاد المسيحيين عن عقيدتهم، بل لقد تعين عليهم أن يواجهوا ويقهروا التأثير الهدام الذي يمكن أن يكون للألحان الفاسدة على الحياة الأخلاقية للمسيحيين.
ولقد كانت الموسيقى الوثنية ممثلة لمعتقدات الوثنيين الحضارية والاجتماعية والدينية. وهكذا فإن آباء الكنيسة عندما وصفوها بأنها منحلة كانوا في الواقع يعدون مقارنة بين الفلسفات الشائعة لدى الرومان والمسيحيين؛ فلا جدال في أن اهتمام العقيدة الرومانية بالجانب الحسي قد انعكس بوضوح على موسيقاها الدينية والغرامية. وفي مقابل ذلك كانت الموسيقى الرومانية تفتقر إلى تلك الأغاني المخلصة الشاكية التي كان المسيحي يغنيها تقديسا لربه؛ فقد اهتمت الموسيقى الرومانية بمشاعر غريبة عن المفاهيم اللاهوتية التي يتضمنها الفكر المسيحي. ولما كانت الموسيقى تصف المجتمع الذي يضمها، فإن أصل الداء هو أولا في الحضارة الرومانية الفاسدة، وثانيا في الموسيقي الوثني الذي كان يصور مجتمعه بنوع من الموسيقى يثير الانفعالات بعنف، وهي موسيقى يمكن أن يستجيب لسحرها الوثني والمسيحي معا. وإذا كان آباء الكنيسة قد وقفوا مكتوفي الأيدي أمام روما، فقد كان في وسعهم أن يحاولوا حماية أبناء طائفتهم من المؤثرات الشريرة المترتبة على الموسيقى الرومانية.
وكان آباء الكنيسة ينظرون بعين الاستياء إلى أي اتجاه إلى النهوض بموسيقى الآلات أو بالآلات الموسيقية ذاتها. ومن الجائز أن هؤلاء الآباء الذين عاشوا في القرون الأولى، وتحملوا عبء توجيه المسيحية في الطريق الصحيح، كانوا ينفرون من الآلات الموسيقية لما فيها من بقايا المظاهر الوثنية. وهناك احتمال آخر هو أن المسيحيين الأوائل كانوا مضطرين إلى الاجتماع سرا، ولم يكن في وسعهم استخدام الآلات في الصلوات الهامسة التي كانوا يقيمونها في تلك الاجتماعات، خوفا من أن يستدل عليهم خصومهم.
1
وفي خلال القرنين الأولين من المسيحية، أبدى آباء الكنيسة نحو الآلات الموسيقية أو نحو الموسيقى المصاحبة للطقوس الدينية نفس الارتياب الذي سبق أن أبداه حاخامات اليهود نخوها؛ فقد أشار كليمنت السكندري (
Clement of Alexandria ) حوالي (150-220م) إلى أن «الناي» إنما هو آلة يختص بها أولئك المؤمنون بالخرافات، الميالون إلى عبادة الأصنام. وكان أفلاطون قد نبه من قبل إلى أن لهذه الآلة (المزامير) طبيعة حسية شهوانية، كما استخدمها اليونان والرومان معا في شعائرهم الديونيزية المنتشية الصاخبة. ولم يكن هناك مفر من أن ينظر كليمنت إلى هذه الآلة بمثل هذا التوجس؛ إذ إنها أصلح للتعبير عن السورات الجسدية منها للتأمل الروحي، ولكن كانت هناك بعض الآلات التي لم يربطها كليمنت بالطقوس الوثنية، أو يعدها مفسدة للأخلاق؛ فقد اقتبس الإشارات الواردة في «العهد القديم» إلى عزف الليرا (
Lyre )، وتأثيره المهدئ في نفس الملك داود. كما أشار إلى تشبيه للفيلسوف اليهودي فيلون (ولد حوالي 20ق.م.) هو تشبيه «لسان الإنسان بقيثار يسبح بحمد الله». وكان فيلون قد نظر إلى الليرا على أنه آلة متحررة من كل نزعة حسية، تهدئ المشاعر وتقضي على الصراع داخل الإنسان، واتفق كليمنت معه في هذا الرأي.
ولقد كان كليمنت متأثرا بزميله السكندري فيلون، الذي كانت فلسفته مزيجا من النظريات الهلنستية والعبرانية. قد حاول فيلون أن يوفق بين الكتاب المقدس وبين آراء أفلاطون، وكان مثل أفلاطون لا يعد الموسيقى غاية في ذاتها، بل يراها إعدادا وتدريبا ذهنيا لدراسة الفلسفة. وبالمثل لم ينظر كليمنت إلى الموسيقى على أنها غاية في ذاتها، وإنما رآها وسيلة وجدانية منظمة لنشر العقيدة المسيحية.
وقد حفظ لنا التاريخ تعليقا للقديس يوحنا كريسوستوم («فم الذهب» في كتب الأقباط)
Bog aan la aqoon