138

Fayd Qadir

فيض القدير شرح الجامع الصغير

Daabacaha

المكتبة التجارية الكبرى

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1356 AH

Goobta Daabacaadda

مصر

⦗١٨٠⦘ ٢٢٨ - (احبسوا) بكسر الهمزة والموحدة التحتية. قال الراغب: الحبس المنع وفي الصحاح ضد التخلية (صبيانكم) جمع صبي قال في الصحاح وهو الغلام والجارية صبية والجمع صبايا انتهى والمراد هنا الصغير ذكرا كان أو أنثى كما يشير إليه التعليل الآتي أي امنعوهم من الخروج من البيوت وفي رواية اكفتوا صبيانكم أي ضموهم (حتى تذهب) أي إلى أن تنقضي (فوعة) بضم الفاء وسكون الواو (العشاء) أي شدة سوادها وظلمتها وفي رواية بدل فوعة فحمة وهي السواد الشديد والمراد هنا أول ساعة من الليل كما يدل له قوله (فإنها ساعة تخترق) بمعجمات وراء: تنتشر (فيها الشياطين) أي مردة الجن فإن أول الليل محل تصرفهم وحركتهم في أول انتشارهم أشد اضطرابا. وقال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان منهم تلك الساعة لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة فيهم غالبا والذكر الذي يحترس به منهم مفقود من الصبيان غالبا والسواد أجمع للقسوة الشيطانية من غيره والجن تكره النور وتتشاءم به وإن كانت خلقت من نار وهي ضياء لكن الله تعالى أظلم قلوبها وخلق الآدمي من طين ونور قلبه فهو محب للنور بالطبع وكل جنس يميل إلى ما يروحه من جنسه فيضيع فإن قلت فإذا كان الاختراق بمعنى الانتشار فلم عبر به دونه قلت إشارة إلى أنه انتشار لابتغاء الفساد فإن الخرق في الأصل كما قال الراغب قطع الشيء على سبيل الفساد بغير تفكر وتدبر ثم استعمل في قطع المسافة توصلا إلى حيلة أو إفساده ومن ثم شبه به الريح في تعسف مرورها فقيل ريح خرقاء وفوعة الشيء بالضم حدته وشدته قال الزمخشري: وجدت فوعة الطيب وفوحته وفورته وخمرته وذلك حدة ريحه وشدتها إذا اختمر وأتيته فوعة النهار وفوعة الضحى وهو ارتفاعه وكان ذلك في فوعة الشباب
(ك) في الأدب (عن جابر) بن عبد الله وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي
٢٢٩ - (احبسوا على المؤمنين ضالتهم) أي ضائعتهم يعني امنعوا من ضياع ما تقوم به سياستهم الدنيوية ويوصلهم إلى الفوز بالسعادة الأخروية أي بأن تحفظوا ذلك ولا تهملوه فيضيع قالوا يا رسول الله وما ضالة المؤمنين قال (العلم) أي الشرعي فإن الناس لا يزالون عند وقوع الحوادث يتطلبون علم حكمها كما يتطلب الرجل ضالته فهو أمر بتعلم العلم الشرعي الذي به قيام الدين وسياسة عامة المسلمين كالقيام بالحجج والبراهين القاطعة على إثبات الصانع وما يجب له وما يستحيل عليه وإثبات الثواب ودفع الشبه والمشكلات والاشتغال بالفقه وأصوله والتفسير والحديث بحفظه ومعرفة رجاله وجرحهم وتعديلهم واختلاف العلماء واتفاقهم وعلوم العربية والقيام به فرض كفاية فإذا لم ينتصب في كل قطر من تندفع الحاجة بهم أثموا كلهم وعلى الإمام أن يرتب في كل قرية ومحلة عالما متدينا يعلم الناس دينهم ويجيب في الحوادث ويذب عن الدين ويردع من نبغ من الفرق الضالة
(فر وابن النجار) أبو عبد الله محمد بن محمود (في تاريخه) تاريخ بغداد (عن أنس) رضي الله تعالى عنه وفيه إبراهيم بن هانئ أورده الذهبي في الضعفاء وقال مجهول أتى بالبواطيل عن عمرو بن حكام تركه أحمد والنسائي عن بكر بن خنيس قال الدارقطني متروك عن زياد بن أبي حسان تركوه
٢٣٠ - (احتجموا) إرشادا لا إلزاما (لخمس عشرة أو لسبع عشرة أو لتسع عشرة أو إحدى وعشرين) من الشهر العربي. قال ابن القيم: هذا موافق لإجماع الأطباء أن الحجامة في نصف الشهر وما بعده من الربع الثالث من أرباع الشهر أنفع من أوله ومن آخره لغلبة الدم حينئذ الذي جعله علة للأمر بها وخص الأوتار لأنه تعالى وتر يحب الوتر نعم محل اختيار هذه الأوقات إذا أريدت لحفظ الصحة فإن كانت لمرض فعلت وقت الحاجة كما يفيده ما يجيء انتهى وقال ابن جرير هذا اختيار منه ﷺ للوتر من أيام الشهر على الشفع لفضل ⦗١٨١⦘ الوتر عليه والله وتر يحب الوتر قال وإنما خص أمره بحالة انتقاص الهلال من تناهي تمامه لأن ثوران كل ثائر وتحرك كل علة إنما يكون فيما يقال من حين الاستهلال إلى الكمال فإذا تناهى نماؤه وتم تمامه سكن فأمر بالاحتجام في الوقت الذي الأغلب فيه السلامة إلا أن يتبيغ الدم وتدعو الضرورة لبعضهم في الوقت المكروه بحيث تكون غلبة السلامة في عدم التأخير فيفعل حينئذ كما يشير إليه قوله (لا تتبيغ) بتحتية ففوقية فموحدة فتحتية فغين معجمة أي لئلا يتبيغ فحذف حرف الجر مع أن قال ابن الاعرابي تبوغ الدم وتبوع ثار فالمراد هنا لا يثور ويهيج (بكم الدم) يغلبكم ويقهركم (فيقتلكم) أي فيكون ثورانه وهيجانه سببا لموتكم وهذا من كمال شفقته على أمته ومحصول التقرير السابق أن الحجامة ضرورية واختيارية فالضرورية عند الحاجة والاختيارية عند ثوران الأخلاط وذلك في الربع الثالث من الشهر <تنبيه> قال أهل المعرفة الخطاب بالحجامة لأهل الحجاز ومن في معناهم من الأقطار الحارة لرقة دمائهم وميلها لظاهر البدن بجذب الحرارة لها إلى سطح البدن وقد أوضحه بعض الفضلاء فقال إنما لازم المصطفى ﷺ الحجم وأمر به دون الفصد مع أن الفصد ركن عظيم في حفظ الصحة الموجودة ورد المفقودة لأن مزاج بلده يقتضيه من حيث إن البلاد الحارة تغير المزاج جدا كبلاد الزنج والحبشة فلذلك يسخن المزاج ويجف ويحرق ظاهر البدن ولهذا اسودت أبدانهم ومال شعرهم إلى الجعودة ودقت أسافل أبدانهم وترهلت وجوههم وخرج مزاج أدمغتهم عن الاعتدال فتظهر أفعال النفس الناطقة فيهم من نحو فرح وطرب وخمد وصفاء صوت والغالب عليهم البلادة لفساد أدمغتهم وفي مقابلها في المزاج بلاد الترك فإنها باردة رطبة تبرد المزاج وترطبه وتجعل ظاهر البدن حارا لأن الحرارة تميل من ظاهر البدن لباطنه هربا من ضدها وهو برد الهواء كما في زمن الشتاء فإن الحرارة الغزيزية تميل للباطن لبرد الهواء فيجود الهضم ويقل المرض وفي الصيف بالعكس والغرض من ذلك أن بلاد الحجاز حارة يابسة فالحرارة الغزيزية بالضرورة تميل لظاهر البدن بالمناسبة التي بين مزاجها ومزاج الهواء المحيط بالبدن فيبرد باطنه فلذلك يدمنون أكل العسل والتمر واللحوم الغليظة فلا تضرهم لبرد أجوافهم وكثرة التحلل فإذا كانت الحرارة مائلة من ظاهر البدن لباطنه لم يحتمل الفصد لأنه إنما يجذب الدم من أعماق العروق وبواطن الأعضاء وإنما تمس الحاجة للحجم لأن الحجامة تجذب الدم من ظاهر البدن فقط فافهم هذه الدقيقة التي أشرف عليها الشارع بنور النبوة ولا تقس عليه ما لا يناسبه من الأحوال
(البزار) في مسنده (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي وكذا الطبراني والديلمي كلهم (عن ابن عباس) قال الهيتمي فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس وقال العراقي بسند حسن موقوفا ورفعه الترمذي بلفظ إن خير ما تحتجمون فيه إلى آخره بدون ذكر التبيغ وقال حسن غريب قال وطريق البزار المتقدمة أحسن من هذه

1 / 180