Aragtida Fowdada: Hordhac Kooban
نظرية الفوضى: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ربما يتمثل أحد أكثر الأسئلة تشويقا، والذي ينشأ من التوقع الفوضوي، في السؤال المفتوح حول أسلوب نمذجة رابع. نرى أفضل نماذجنا تعجز عن التكهن؛ ما يجعلنا نتشكك في عدم وجود طريقة لتعديل هذا النموذج، سواء في إطار خطة النمذجة الحتمية التي يضعها الفيزيائي، أو في إطار خطط النماذج القياسية التصادفية التي يضعها الإحصائي. هل يمكن أن يسفر المزيد من دراسة الفوضى الرياضية عن مجموعة مركبة من النماذج توفر لنا نماذج تتكهن على الأقل بالنظم الفيزيائية؟
الظلال، والفوضى، والمستقبل
بمجرد فتح أعيننا، ربما نرى العالم من منظور جديد، بيد أننا لا نستطيع أبدا العودة إلى المنظور القديم.
إيه إدنجتون (1927)
تعتبر الرياضيات هي التجسيد المطلق للخيال العلمي. بينما قد يكتفي علماء الرياضيات بقصر أنشطتهم - وهم سعداء - على مجالات تصح فيها افتراضاتهم (تقريبا دوما)، يضطر الفيزيائيون والإحصائيون إلى التعامل مع العالم الخارجي من خلال البيانات المتوافرة بين أيديهم والنظريات المتصورة في عقولهم. يجب أن نحافظ على هذا الفرق في أذهاننا إذا كنا سنستخدم كلمات مثل «فوضى» عند الحديث مع علماء الرياضيات والعلماء الآخرين. إن أي نظام رياضي فوضوي لهو كيان مختلف عن أي نظام طبيعي نسميه فوضويا. بينما تقدم الرياضيات البراهين، يصارع العلم من أجل تقديم توصيفات فقط. وقد أفضى العجز عن إدراك هذا الفرق إلى إضفاء مرارة على النقاش لا داعي لها. لن «يفوز» أي من الطرفين في النقاش، ومع انسحاب الجيل السابق تدريجيا من المجال، فإنه من الشائق متابعة بعض أفراد الجيل الجديد وهم يتبنون أسلوب النماذج المجمعة؛ والذي يتمثل بشكل أساسي في تبني نماذج متعددة ك «نموذج واحد» واستخدامها معا دون اختيارها أو دمجها معا. بدلا من ممارسة دور الغرماء في منافسة، هل يمكن أن يعمل الفيزيائي والرياضي والإحصائي كفريق واحد؟
تساعدنا دراسة الفوضى على أن نرى بوضوح أكثر أي الأسئلة منطقية وأيها غير منطقي على الإطلاق. أجبرتنا دراسة الديناميكيات الفوضوية على القبول بأن بعض غاياتنا غير قابلة للتحقيق في ظل الخواص المزعجة للنظم اللاخطية. وبالنظر إلى أن أفضل نماذجنا عن العالم لا خطية - نماذج الطقس، والاقتصاد، والأوبئة، والدماغ، ودائرة مور-شبيجل الكهربائية، بل وحتى النظام المناخي في الأرض - يترتب على هذا الاستبصار نتائج تتجاوز العلم، تصل إلى دعم عملية اتخاذ القرار وصناعة السياسات. مثاليا، ستسهم الاستبصارات المستقاة من الفوضى والديناميكيات اللاخطية في مساعدة واضع النماذج المناخية، وهو الذي يشعر بالثقة في تفسير حدود معرفتنا الحالية، عند توجيه سؤال إليه يعرف عدم منطقيته، ويقدم المعلومات المتوافرة. حتى إذا كانت أوجه القصور في النموذج تشير ضمنا إلى عدم وجود توقع احتمالي مرتبط بالسياسات، ساعد الفهم الأفضل للعمليات الطبيعية الكامنة متخذي القرار لعقود طويلة ولا يزال يساعدهم.
تتخذ جميع القرارات الصعبة في ظل عدم اليقين، وقد ساعدنا فهم الفوضى على تقديم دعم أفضل في عملية اتخاذ القرار. تحقق بالفعل تقدم اقتصادي كبير في قطاع الطاقة؛ حيث أفضى الربح الوفير من جراء استخدام توقعات مجمعة للطقس زاخرة بالمعلومات إلى الاستخدام اليومي لمعلومات عدم اليقين بدءا من قاعات تداول الأسهم في الأسواق المالية إلى غرف التحكم في شبكات الكهرباء الوطنية.
التوقع صعب. لا يتضح أبدا أي سياق سيتخذه العلم لاحقا، بيد أن حقيقة أن الفوضى غيرت مرمى الهدف ربما تمثل أكثر الآثار ديمومة على العلم، وهي رسالة يجب طرحها مبكرا في مجال التعليم؛ إذ لا يزال الدور الذي يلعبه عدم اليقين والتنوع الزاخر في السلوك الذي تكشف عنه النظم الرياضية البسيطة لا ينال قدره من التقدير بدرجة كافية. يرتبط عدم اليقين في الملاحظات مع أخطاء النماذج ارتباطا وثيقا، وهو ما يجبرنا على إعادة تقييم ما يعد نموذجا جيدا. أثبتت غايتنا القديمة في تقليص استخدام مبدأ المربعات الصغرى تضليلها لنا، لكن أيجب أن يحل البحث عن البدائل محل المربعات الصغرى ؟ أهو بحث عن نموذج يبدو سلوكه جيدا؟ أم عن القدرة على وضع توقعات احتمالية موثوق بها أكثر؟ من خلال منظور الرؤية الشاملة، يمكننا أن ندرك بوضوح أي الأسئلة منطقي، وهو ما يستدعي تحديات للافتراضات الأساسية في الفيزياء الرياضية وتطبيقات نظرية الاحتمالات. هل ترجع حالات الفشل في النمذجة إلى عدم قدرتنا على انتقاء الإجابة الصحيحة من بين الخيارات المتاحة، أم هل ينعدم أي خيار مناسب مطروح؟ كيف يمكننا تفسير محاكاة مستقاة من نماذج غير ملائمة تجريبيا؟ بصرف النظر عن معتقداتنا الشخصية حول وجود الحقيقة، تجبرنا الفوضى على إعادة التفكير فيما يعنيه تقريب الطبيعة.
قدمت دراسة الفوضى أدوات جديدة، مثل نماذج إعادة بناء متأخرة ربما تسفر عن نماذج متناسقة حتى حال كوننا لا نعرف «المعادلات المتضمنة»، وإحصاء جديد يمكن من خلاله قياس النظم الديناميكية كميا، وأساليب جديدة في توقع عدم اليقين، وظلال تعمل على رأب الفجوات بين نماذجنا وملاحظتنا، والتشويش الذي نتعرض له. انتقلت دراسة الفوضى بمحور الاهتمام من الارتباط إلى المعلومات، ومن الدقة إلى الموثوقية، من تقليص أخطاء هامشية على نحو غير حقيقي إلى تعظيم المنفعة. تعيد دراسة الفوضى إثارة النقاش حول مكانة الاحتمالات الموضوعية. هل يمكننا بناء توقع احتمالي ناجح عمليا، أم هل نحن مضطرون إلى ابتكار أساليب جديدة «مخصصة» لاستخدام المعلومات الاحتمالية دون توقعات احتمالية؟ هل نقيس عدم اليقين في مستقبل العالم الواقعي أم أننا نستكشف التنوع في نماذجنا؟ يسعى العلم إلى نقاط عدم الملاءمة فيه؛ فلا يعتبر التوافق مع عدم اليقين الدائم في العلم نقطة ضعف بل مكمن قوة. لقد قدمت الفوضى إطارا جديدا لدراستنا للعالم، دون تقديم أي نماذج كاملة أو حلول نهائية. العلم عبارة عن قطع مختلفة الألوان تحاك بعضها مع بعض، وبعض الحدود الفاصلة غير محكمة تماما.
في بداية فيلم «ماتريكس»، يردد مورفيس صدى كلمات إدنجتون التي افتتح بها هذا القسم الأخير:
Bog aan la aqoon