فيقولون مَثلًا: (الحكم إمَّا واجب أو مندوب) إلى آخِره، ويقولون في الفعل: (إنه إيجابٌ أو نَدْبٌ) إلى آخِره، تَعَرَّضتُ للفَرق بينهما بحسب الحقيقة، وأنَّ الواجب ما تَعَلَّق به الإيجابُ، والمندوبَ ما تَعَلَّق به الندبُ، إلى آخِره، فَيُصاغ لكل فِعل مِن الحكم الذي تَعَلَّق به اسمٌ يَحْصُل به الإعلام والتمييز عن بقية الأفعال، فبيَّنْتُ ذلك، وضممت لكل واحد ما يُسَمى به مِن الأسماء بِوفاقٍ وخِلاف. وتسْري هذه الأسماء إلى نفس الأحكام المتعلِّقة، فيُصاغ منها اسم لها، وذكرتُ [رَسْم] (^١) كل نوع مِن هذه الأفعال؛ للإيضاح كما فعل البيضاوي وإنْ عُلِمَت حدودها مِن حدود الأحكام المتعلِّقة بها.
فالقِسم الأول: الفعل الذي تَعَلَّق به الإيجاب: "مُوجَبٌ" بالفتح اسم مفعوله، و"واجِبٌ"؛ لأنه مطاوِع "أَوجَبَ" كما سبقت الإشارة إليه. ويُسَمَّى بأسماء أُخَر، منها:
"الفَرْضُ" مِن "فَرضَ" بمعنى: قَدَّر. فإنْ أَطْلقته على "الإيجاب" كان حقيقة، أو على "الواجب" فهو مِن إطلاق المصدر على المفعول؛ لأنه مَفْرُوض.
وفي تَرادُف هذين الاسمين خِلافٌ بَعْد الاتفاق على أنَّ معناهما "اللازِمُ"، فالجمهور على الترادُف، وقالت الحنفية: "الفَرْض" ما ثَبت بدليل قَطْعي كالكتاب والسُّنة المتواترة، مِثل الصلوات الخمس وصوم رمضان، و"الواجِبُ" ما ثَبت بدليلٍ ظني، كالوتر وزكاة الفطر. وزعموا أنَّ ذلك مراعاة للمعنى اللُّغوي؛ لأنَّ "الفَرْض" لُغَةً: التقدير، فلا بُدَّ مِن عِلم أنَّ الله تعالى قَدَّره، و"الوجوب": السقوط، فَيُعْلَم أنَّه ساقط علينا، ولكن لا نَعْلم أنَّ الله قَدَّرَه.
ولنا: أنَّ الفَرْض المُقَدَّر أَعَم أنْ يَكون عِلْمًا أو ظنًّا، والواجب الساقط أَعَم منهما أيضًا؛ فلَم تظهر مناسبة. بل قال الشيخ أبو حامد وغيره مِن أصحابنا: لو عكسُوا الاصطلاح لكان
(^١) في (ت، ض): اسم.