مثاله قَوْلنا: (الكُل أعْظَم مِن الجُزْء)، و(الواحد نِصف الإثنين). وتُسَمَّى القضايا المعلومة بذلك "الأوليات"؛ نِسْبَة إلى الأول؛ لحصولها أَوَّلًا مِن غير تَوَقُّفٍ على قضية أخرى، بخلاف النظريات كما سيأتي.
ويلحق بهذا القِسْم ما هو كالبديهي، وهي القضايا التي قياساتها معها، وذلك بأنْ يَحْكُم العقل بها بواسطة لا يغفُلُ عنها الذهن عند تَصَوُّر حدود تلك القضايا المحكوم عليه وبه فيها. كقولنا: (الأربعةُ زوجٌ)؛ لانقسامها بمتساويين؛ فإنَّ الانقسام بمتساويين وسطٌ حاضرٌ في الذهن دائمًا عند تَصَوُّر الأربعة والزوجيَّة؛ فلذلك قِيل فيها: إنَّ قياساتها معها. فَمِن حيث إنَّ لها دليلًا - هي نظرية، ومِن حيث إنه معه في العِلم - بديهية، وهذا يَغْلب فيها؛ ولذلك تُسَمَّى "القضايا الفِطْرِيَّة"؛ لأنَّ عِلْمها بالفطرة.
فقَوْلي: (أو إنْ يَكُنْ قِياسُهُ مَعْهُ) ينبغي أنْ يَكون عَطْفًا على تفسير البديهي بِقَوْلي: (أَيْ تُلْفِي)، أَيْ: تَجِد يَأَيُّها المخاطَبُ تَصَوُّرَ الطرفين كافِيًا في حصول العِلْم، أو إنْ كان قياسُه معه فهو أيضًا بديهي.
وقَوْلي بَعْده: (أَمَّا بِالنَّظَرْ) هو بِفَتْح الهمزة، أَيْ: أمَّا إذا كان حصول العِلْم بالعقل الصِّرف إنما هو [بالنظر] (^١) والتفكْر المؤدِّي إليه، فهذا هو الضرب الثاني مِن المستفاد بالعقل، وهو "العِلم النظري"، وذلك كل قضية يَقُوم عليها البرهان، نحو: "العَالَم حادِث؛ لأنَّ العالَم مُتَغَيَّر، وكُل مُتَغَيِّر حادث"؛ فأنتج المطلوب، والعِلْم حينئذ يحصل عند الدليل، لا بِهِ - كما تَقَدَّم تقريره، لا أنه متولِّد منه كما يقوله المعتزلة.
واعْلَم أنَّ النظري لا يتقيَّد بِكَون كل مِن مُقَدِّمَتَي دليله بالعقل الصِّرف، بل قد تَكون إحداهما سمعية حيث أفاد السمعُ اليقين بأنْ يَكون مِن ضروريات الدِّين (كوجوب الصلاة