تأليف
الإمام الحافظ الذهبي
جمع وإعداد
فهد بن عبد الرحمن العثمان
دار الشريفالفوائد الذهبية من سير أعلام النبلاء ¶ تأليف ¶ الإمام الحافظ الذهبي ¶ جمع وإعداد ¶ فهد بن عبد الرحمن العثمان ¶ دار الشريف
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين .. نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أخي القارئ الكريم ..
بعون الله وتوفيقه أضع بين يديك المجموعة الثانية من الفوائد الذهبية والمنتقاة من سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله.
وقبل قراءة هذه المجموعة أرجو ملاحظة ما يلي:
1 - وضعت الإحالة للأصل بين قوسين (المجلد/ الصفحة) وقد تشمل الإحالة أكثر من فائدة بشرط أن تكون من نفس الترجمة.
2 - ما سبق بكلمة قلت أو قلنا. فالقائل هو الإمام الذهبي رحمه الله.
3 - ما كان من قول المحقق فذكرته قائلا: قال المحقق وفقه الله.
4 - ما قمت بإضافته؛ لاستقامة المعنى وضعته بين معكوفتين.
أخي الكريم:
لقد سعدت كثيرا بملاحظات بعض الأخوة على المجموعة الأولى، والتي كان من أهمها عدم تخريج الأحاديث، وعدم عزو الفائدة إلى موضعها في الأصل، وعدم وضع ترجمة للإمام الذهبي رحمه الله واعترافا مني بهذا الخطأ والتقصير أعد بتنفيذ ذلك عند إعادة طباعة المجموعة الأولى إن شاء الله.
Bogga 3
وأخيرا.
المجموعة الثالثة والأخيرة من (الفوائد الذهبية) تصدر قريبا إن شاء الله، وهي بانتظار المزيد من نصحك وإرشادك لا حرمك الله الأجر والثواب.
الله أسأل الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو عبد الرحمن
فهد بن عبد الرحمن العثمان
Bogga 4
حسن الظن بالله
عبد الله بن إدريس بن يزيد، الإمام، الحافظ، المقرئ، القدوة، شيخ الإسلام أبو محمد الأودي الكوفي (9/ 42).
عن حسين العنقزي قال: لما نزل بابن إدريس الموت، بكت بنته ..
فقال: لا تبكي يا بنية، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربع آلاف ختمة.
قال ابن عمار: كان ابن إدريس إذا لحن أحد في كلامه لم يحدثه.
قال أبو خيثمة: سمعت ابن إدريس يقول:
كل شراب مسكر كثيره ... فإنه محرم يسيره
إني لكم من شره نذيره
الحسن بن الربيع البوراني قال: قرئ كتاب الخليفة إلى ابن إدريس، وأنا حاضر: من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى عبد الله بن إدريس قال فشهق ابن إدريس شهقة وسقط بعد الظهر فقمنا إلى العصر، وهو على حاله، وانتبه قبيل المغرب وقد صببنا عليه الماء فلا شيء، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون صار يعرفني حتى يكتب إلي! أي ذنب بلغ بي هذا؟!
عن وكيع أن عبد الله بن إدريس امتنع عن القضاء، وقال للرشيد: لا أصلح، فقال الرشيد: وددت أني لم أكن رأيتك، فقال: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك فخرج ثم ولي حفص بن غياث، وبعث الرشيد بخمسة الآف إلى ابن إدريس فقال للرسول وصاح به: مر من هنا، فبعث إليه الرشيد: لم تل لنا، ولم تقبل صلتنا فإذا جاءك ابني المأمون، فحدثه، فقال: إن جاء مع الجماعة حدثناه، وحلف ألا يكلم حفص بن غياث حتى يموت.
Bogga 5
فهل من معتبر
الوزير الملك، أبو الفضل، جعفر، ابن الوزير الكبير أبي علي يحيى ابن الوزير خالد بن برمك الفارسي (9/ 59).
جعفر، وما أدراك ما جعفر؟ له نبأ عجيب، وشأن غريب، بقي في الارتقاء في رتبة، شارك الخليفة في أمواله ولذاته وتصرفه في الممالك، ثم انقلب الدست في يوم فقتل وسجن أبوه وإخوته إلى الممات، فما أجهل من يغتر بالدنيا.
قال الأصمعي: سمعت يحيى بن خالد يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا بمن قبلنا أسوة وفينا لمن بعدنا عبرة.
قيل: إن ولدا ليحيى قال له وهم في القيود: يا أبة بعد الأمر والنهي والأموال صرنا إلى هذا؟ قال: يا بني دعوة مظلوم غفلنا عنها، لم يغفل الله عنها.
قيل: كان في خزائن جعفر دنانير, زنة الواحد مئة مثقال، كان يرمي بها إلى أصطحة الناس سكته:
واصفر من ضرب دار الملوك ... يلوح على وجهه جعفر
يزيد على مئة واحدا ... متى يعطه معسر يوسر
وقيل: بل الشعر لأبي العتاهية، وكان على الدينار صورة جعفر .
قيل إن امرأة كلابية انشدت جعفرا:
إني مررت على العقيق وأهله ... يشكون من مطر الربيع نزورا
ما ضرهم إذ مر فيهم جعفر ... أن لا يكون ربيعهم ممطورا
سئل سعيد بن سالم عن ذنب البرامكة، فقال: ما كان منهم بعض ما يوجب ما فعل الرشيد، لكن طالت أيامهم وكل طويل يمل.
Bogga 6
وقيل: رفعت قصة إلى الرشيد فيها:
قل لأمين الله في أرضه ... ومن إليه الحل والعقد
هذا ابن يحيى قد غدا مالكا ... مثلك ما بينكما حد
أمرك مردود إلى أمره ... وأمره ما إن له رد
ونحن نخشى أنه وارث ... ملك إن غيبك اللحد
وقيل: إن أخته قالت له: ما رأيت لك سرورا منذ قتلت جعفرا، فلم قتلته؟ قال: لو علمت أن قميصي يعلم السبب لمزقته.
عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي خطيب الكوفة، قال: دخلت على أمي يوم الأضحى وعندها عجوز في أثواب رثة، فقالت: تعرف هذه؟ قلت: لا. قالت: هذه والدة جعفر البرمكي، فسلمت عليها، ورحبت بها، وقلت: حدثينا ببعض أمركم، قالت: لقد هجم علي مثل هذا العيد، وعلى رأسي أربع مئة جارية وأنا أزعم أن ابني عاق لي، وقد أتيتكم يقنعني جلد شاتين أجعل أحدهما فراشا لي، قال: فأعطيتها خمسة مئة درهم، فكادت تموت فرحا.
* * *
كتاب الملكين
المعافى بن عمران بن نفيل، الإمام، شيخ الإسلام، ياقوتة العلماء أبو مسعود الأزدي (9/ 80).
قال بشر الحافي: كان المعافى صاحب دنيا واسعة وضياع كثيرة، قال مرة رجل: ما أشد البرد اليوم، فالتفت إليه المعافى وقال: آستدفأت الآن؟ لو سكت، لكان خيرا لك.
Bogga 7
قلت: قول مثل هذا جائز لكنهم كانوا يكرهون فضول الكلام، واختلف العلماء في الكلام المباح، هل يكتبه الملكان، أم لا يكتبانه إلا المستحب الذي فيه أجر، والمذموم الذي فيه تبعه؟ والصحيح كتابة الجميع لعموم النص في قوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18] ثم ليس إلى الملكين اطلاع على النيات والإخلاص، بل يكتبان النطق، وأمر السرائر الباعثة للنطق الله يتولاها.
* * *
الإنفاق علانية
محمد بن جعفر، الحافظ المجود ، الثبت غندر أبو عبد الله الهذلي أحد المتقنين (9/ 98).
قلت: ابن جريج هو الذي سماه غندرا وذلك لأنه تعنت ابن جريج في الأخذ، وشغب عليه أهل الحجاز، فقال: ما أنت إلا غندر.
عن يحيى بن معين قال: كان غندر يجلس على رأس المنارة يفرق زكاته، فقيل له: لما تفعل هذا؟
قال: أرغب الناس في إخراج الزكاة، فاشترى سمكا وقال لأهله، أصلحوه ونام فأكل عياله السمك ولطخوا يده.
فلما انتبه، قال: هاتوا السمك.
قالوا: قد أكلت.
فقال: لا.
قالوا: فشم يدك.
ففعل ثم قال: صدقتم ولكن ما شبعت.
وقال: صمت يوما فأكلت ثلاث مرات ناسيا ثم أتممت صومي.
Bogga 8
اجتهاد العلماء
وكيع بن الجراح بن مليح، الإمام الحافظ، محدث العراق، أبو سفيان أحد الأعلام (9/ 140).
(عن) يحيى بن أكثم (قال) صحبت وكيعا في الحضر والسفر وكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة.
قلت: هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة فقد صح نهيه عليه السلام عن صوم الدهر، وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، والدين يسر، ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع، وأين مثل وكيع، ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر إلاكثار منه فكان متأولا في شربه، ولو تركه تورعا لكان أولى به، فإن من توقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك فلا قدوة في خطأ العالم، نعم ولا يوبخ بما فعله باجتهاد نسأل الله المسامحة.
* * *
ومن الشعر لحكمة
أبو نواس، رئيس الشعراء أبو علي الحسن بن هانئ الحكمي، مدح الخلفاء والوزراء ونظمه في الذروة (9/ 279).
قيل: لقب بهذا؛ لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقيه، أي: تضطرب وهو القائل:
ألا كل حي هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
Bogga 9
نصح الولاة
الخليفة أبو جعفر هارون الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر (9/ 286).
كان من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد، وغزو وشجاعة ورأي.
عن خرزاذ العابد قال: حدث أبو معاوية الرشيد بحديث: «احتج آدم وموسى» فقال رجل شريف: فأين لقيه؟ فغضب الرشيد، وقال: النطع والسيف زنديق يطعن في الحديث فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول: بادرة منه يا أمير المؤمنين حتى سكن.
وعن أبي معاوية الضرير قال: صب على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه فقال الرشيد: تدري من يصب عليك؟
قلت: لا؟.
قال: أنا؛ إجلالا للعلم.
وعن الأصمعي: قال لي الرشيد وأمر لي بخمسة آلاف دينار وقرنا في الملأ وعلمنا في الخلا.
وخلف عدة أولاد منهم تسعة بنين اسمهم محمد، أجلهم الأمين المعتصم (ومنهم) أبو العباس، وكان بليدا مغفلا دمنوه مدة في قول: أعظم الله أجركم فذهب ليعزي فأرتج عليه.
وقال: ما فعل فلان؟
قالوا: مات.
قال: جيد، وإيش فعلتم به؟
Bogga 10
قالوا: دفناه.
قال: جيد.
* * *
التوبة الصادقة
أبو علي، شقيق بن إبراهيم الأزدي، الإمام الزاهد، شيخ خراسان البلخي (9/ 313).
عن شقيق قال: مثل المؤمن مثل من غرس نخلة يخاف أن تحمل شوكا ومثل المنافق مثل من زرع شوكا يطمع أن يحمل تمرا هيهات.
وعنه: ليس شيء أحب إلي من الضيف لأن رزقه على الله وأجره لي.
وعنه: علامة التوبة البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار.
* * *
ذم الجدل
معروف الكرخي، علم الزهاد، بركة العصر، أبو محفوظ البغدادي، واسم أبيه فيروز، وقيل فيرزان من الصائبة (9/ 339).
قيل كان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدب كان يقول له، قل ثالث ثلاثة فيقول معروف: بل هو الواحد فيضربه فيهرب فكان والداه يقولان: ليته رجع ثم إن أبويه أسلما.
ذكر معروف عند الإمام أحمد فقيل: قصير العلم، فقال: أمسك وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف.
Bogga 11
عن معروف قال: إذا أراد الله بعبد شرا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.
وقص إنسان شارب معروف، فلم يفتر عن الذكر، فقال: كيف أقص؟
فقال: أنت تعمل وأنا أعمل.
قال عبيد بن محمد الوراق: مر معروف، وهو صائم بسقاء يقول: رحم الله من شرب، فشرب رجاء الرحمة.
* * *
آداب الطلب
عبد الله بن داود بن عامر بن ربيع، الإمام، الحافظ، القدوة، أبو عبد الرحمن الهمذاني ثم الشعبي المشهور بالخريبي (9/ 3346).
قال: ليس الدين بالكلام، أما الدين بالآثار. وقال في الحديث: «من أراد به دنيا فدنيا، ومن أراد به آخرة، فآخرة».
وقال: ما كذبت إلا مرة واحدة، قال لي أبي: قرأت على المعلم؟
قلت: نعم، وما كنت قرأت عليه.
وقال: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.
أبو العيناء قال: أتيت عبد الله بن داود، فقال: ما جاء بك؟
قلت: الحديث.
قال: اذهب فتحفظ القرآن.
قلت: قد حفظت القرآن.
قال: اقرأ {واتل عليهم نبأ نوح} [يونس: 71] فقرأت العشر حتى أنفذته.
Bogga 12
فقال لي: اذهب الآن فتعلم الفرائض.
قلت: قد تعلمت الصلب والجد والكبر.
قال: فأيما أقرب إليك ابن أخيك أو عمك؟
قلت: ابن أخي.
قال: ولما؟ قلت: لأن أخي من أبي، وعمي من جدي.
قال: اذهب الآن فتعلم العربية.
قلت: قد علمتها قبل هذين.
قال: فلما قال عمر يعني حين طعن؟: يالله، يا للمسلمين، لما فتح تلك وكسر هذه؟
قلت: فتح تلك اللام على الدعاء، وكسر هذه على الاستغاثة والاستنصار فقال: لو حدثت أحدا لحدثتك.
قال أبو نصر بن ماكولا: كان الخريبي عسرا في الرواية.
* * *
زيارة القبور
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» (¬1).
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
Bogga 13
معناه: لا تشد الرحال إلى مسجد ابتغاء الأجر سوى المساجد الثلاثة فإن لها فضلا خاصا فمن قال: لم يدخل في النهي شد الرحل إلى زيارة قبر نبي أو ولي، وقف مع ظاهر النص، وإن الأمر بذلك والنهي خاص بالمساجد، ومن قال بقياس الأولى، قال: إذا كان أفضل بقاع الأرض مساجدها، والنهي ورد فيها، فما دونها في الفضل كقبور الأنبياء والصالحين، أولى بالنهي، أما من سار إلى زيارة قبر فاضل من غير شد رحل فقربة بالإجماع بلا تردد، سوى ما شذ به الشعبي ونحوه، فكان بلغهم النهي عن زيارة القبور، وما علموا بأنه نسخ ذلك (9/ 368).
* * *
من افتراءات الرافضة
علي الرضي، الإمام السيد، أبو الحسن الهاشمي العلوي المدني (9/ 387).
عن علي بن موسى الرضى، عن أبيه قال: إذا أقبلت الدنيا على إنسان، أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
الشعبي قال: أفخر بيت قيل قول الأنصار يوم بدر:
وببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد
وقال الصولي: افخر منه قول الحسن بن هانئ في علي بن موسى الرضي:
قيل لي أنت واحد الناس ... في كل كلام من المقال بديه
لك في جوهر الكلام بديع ... يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى ... بالخصال التي تجمعن فيه
قلت: لا أهتدي لمدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه
قلت: لا يسوغ إطلاق هذا الأخير إلا بتوقيف، بل كان جبريل معلم نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبريل الصلاة والسلام.
Bogga 14
وقد كان على الرضي كبير الشأن، أهلا للخلافة ولكن كذبت عليه وفيه الرافضة وأطروه بما لا يجوز، وادعوا فيه العصمة وغالت فيه، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
وهو بريء من عهدة تلك النسخ الموضوعة عليه، فمنها: عن أبيه عن جده عن آبائه مرفوعا «السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والأثنين لبني أمية، والثلاثاء لشيعتهم، والأربعاء لبني العباس والخميس لشيعتهم، والجمعة للناس جميعا».
وبه: «لما أسري بي، سقط من عرقي، فنبتت منه الورد».
وبه: «ادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف حار في الشتاء».
وبه: «من أكل رمانة بقشرها، أنار الله قلبه أربعين ليلة».
وبه: «الحناء بعد النورة أمان من الجذام».
وبه: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عطس، قال له علي: رفع الله ذكرك، وإذا عطس علي، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أعلى الله كعبك».
فهذه أحاديث وأباطيل من وضع الضلال.
* * *
الحذر من أهل البدع
أحمد بن عطاء الهجيمي، شيخ الصوفية، العابد، القدري، البصري المبتدع، فما أقبح بالزهاد ركوب البدع (9/ 408).
قال عبد الرحمن بن عمر رسته: رآني ابن مهدي يوم جمعة جالسا إلى جنب أحمد بن عطاء، وكان يتكلم في القدر، وكان أزهد من رأيت فاعتذرت إلى عبد الرحمن، فقال: لا تجالسه، فإن أهون ما ينزل بك أن تسمع منه شيئا يجب لله عليك أن تقول له: كذبت، ولعلك لا تفعل.
Bogga 15
وكان ابن عطاء قد نصب نفسه للأستاذية، ووقف دارا في بلهجيم للمتعبدين والمريدين يقص عليهم، قال ابن الأعرابي: وأحسبها أول دار وقفت بالبصرة للعبادة.
* * *
لزوم السنة
عبد المجيد ابن الإمام عبد العزيز بن أبي رواد، العالم، القدوة الحافظ الصادق، شيخ الحرم، أبو عبد المجيد المكي (9/ 434).
قال ابن عدي: عامة ما أنكر عليه الإرجاء.
وقال هارون بن عبد الله الحمال: ما رأيت أخشع لله من وكيع وكان عبد المجيد أخشع منه.
قلت: خشوع وكيع مع إمامته في السنة جعله مقدما، بخلاف خشوع هذا المرجئ عفا الله عنه أعاذنا الله وإياكم من مخالفة السنة، وقد كان على الإرجاء عدد كثير من علماء الأمة، فهلا عد مذهبا، وهو قولهم: أنا مؤمن حقا عند الله الساعة، مع اعترافهم بأنهم لا يدرون بما يموت عليه المسلم من كفر أو إيمان، وهذه قولة خفيفة، وإنما الصعب من قول غلاة المرجئة: إن الإيمان هو الاعتقاد بالأفئدة وإن تارك الصلاة والزكاة وشارب الخمر، وقاتل الأنفس والزاني، وجميع هؤلاء يكونون مؤمنين كاملي الإيمان، ولا يدخلون النار، ولا يعذبون أبدا فردوا أحاديث الشفاعة المتواترة وجسروا كل فاسق وقاطع طريق على الموبقات نعوذ بالله من الخذلان.
Bogga 16
قيل: (أن أزهر بن سعد) كان صاحبا للمنصور أبي جعفر قبل أن يلي الخلافة فلما ولي، قدم إليه أزهر مهنئا له، فقال: أعطوه ألف دينار، وقولا له: لا تعد، فأخذها، ثم عاد إليه من قابل، فحجبوه ثم دخل إليه في المجلس العام فقال: ما جاء بك؟
قال: سمعت أنك مريض، فجئت أعودك.
فقال: أعطوه ألف دينار، قد قضيت حق العيادة فلا تعد، فإني قليل الأمراض.
قال: فعاد من قابل، ودخل في المجلس العام.
فقال له: ما جاء بك.
قال: دعاء سمعته منك، جئت لأحفظه.
قال: يا هذا إنه غير مستجاب، إني في كل سنة أدعو به أن لا تأتيني، وأنت تأتيني (9/ 442).
* * *
أحاديث الواقدي
محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، مولاهم الواقدي، المديني، القاضي صاحب التصانيف والمغازي، العلامة الإمام أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه (9/ 454).
جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين فأطرحوه لذلك ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي وأيام الصحابة وأخبارهم.
عن الواقدي قال: كانت الألواح تضيع، فأتي بها من شهرتها بالمدينة، يقال: هذه ألواح ابن واقد.
Bogga 17
وعنه قال: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي (قال الإمام الذهبي) وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ ونورد آثاره من غير احتجاج أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه، ويروي لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه، كيزيد وأبي عبيد والصاغاني، والحربي، ومعن، وتمام عشرة محدثين، إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي رحمه الله.
* * *
الإمام الشافعي
محمد بن إدريس بن العباس، عالم العصر، ناصر الحديث أبو عبد الله القرشي (10/ 5).
عن الشافعي قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، وعنه قال: بئس الزاد إلى المعاد, العدوان على العباد.
وعنه: ضياع العالم أن يكون بلا أخوان، وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له.
وعنه قال: أيما أهل بيت لم يخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم ورجالهم إلى نساء غيرهم إلا وكان في أولادهم حمق.
وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي .
Bogga 18
وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله، فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا} [الأحزاب: 69/ 70].
عن أحمد بن صالح قال: قال لي الشافعي: تعبد من قبل أن ترأس فإنك إن ترأست لم تقدر أن تتعبد.
قال أحمد بن سلمة النيسابوري: تزوج إسحاق بن راهويه بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي، مات ولم يتزوج بها إلا للكتب، قال: فوضع «جامع الكبير» على كتاب الشافعي ووضع «جامع الصغير» على «جامع سفيان» فقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور، وكان عنده كتب الشافعي عن البويطي، فقال له إسحاق، لا تحدث بكتب الشافعي ما دمت هنا فأجابه.
روى أبو الشيخ الحافظ وغيره من غير وجه: أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه، فلما أن رأوه يخالف مالكا وينقض عليه، جفوه وتنكروا له فأنشأ يقول:
أأنثر درا بين سارحة النعم ... وأنظم منثورا لراعية الغنم
لعمري لئن ضيعت في شر بلدة ... فلست مضيعا بينهم غرر الحكم
فإن فرج الله اللطيف بلطفه ... وصادفت أهلا للعلوم وللحكم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم ... وإلا فمخزون لدي ومكتتم
ومن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وكاتم علم الدين عمن يريده ... يبوء بإثم زاد وإثم إذا كتم
عن الربيع قال: رأيت أشهب بن عبد العزيز ساجدا يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك، فبلغ الشافعي، فأنشأ يقول:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
Bogga 19
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن مت ما الداعي علي بمخلد
ولابن عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي في الشافعي:
ومن شعب الإيمان حب ابن شافع ... وفرض أكيد حبه لا تطوع
وإني حياتي شافعي فإن امت ... فتوصيتي بعدي أن يتشفعوا
قال المحقق وفقه الله: إن الأئمة المجتهدين كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، رحمهم الله تعالى لم يقل واحد منهم لأتباعه: اتبعوني وخذوا بجميع أقوالي، وآثروني على من سواي، وإنما ثبت عن كل واحد منهم قوله: «إذا خالف قولي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالحجة في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «واضربوا بقولي عرض الحائط» وجميعهم أصحاب فضل وعلم، وقد بذلوا جهدهم في التماس الحق في المسائل التي اجتهدوا فيها، فأصاب كل واحد منهم في بعضها، وله في ذلك أجران، وأخطأ في البعض الآخر، وله فيها أجر واحد فالمحب الصحيح هو الذي يوالي الجميع ويقدر جهودهم ويشيد بفضلهم ولا يعتقد العصمة فيهم، وإذا رأى أحدهم أنه يفضل على الآخرين بشيء قد خصه الله به، فلا يتخذه وسيلة للتعصب، أو الإفراط في الحب الذي قد يدعوه إلى العدول عن الصواب، لأن هذا الإمام الذي يحبه لم يقل به.
وليضع كل واحد منا نصب عينيه كلمة الإمام مالك رحمه الله: «ما منا إلا من رد أو رد عليه إلا صاحب هذا القبر» وأشار إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو وحده الذي افترض الله علينا الأخذ بجميع أقواله وليس ذلك لأحد سواه (10/ 73).
وعن المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه.
فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟
Bogga 20
فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلا, ولإخواني مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا, ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها أو إلى نار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
قلت: كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية لا يلتفت إليه بل يطوى ولا يروى كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله تعالى حيث يقول: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} [الحشر: 10] فالقوم لهم سوابق.
وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغالي في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض، ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات نبينا وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء وسلمان الفارسي وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح (¬1).
Bogga 21
ثم عموم المهاجرين والأنصار كخالد بن الوليد والعباس وعبد الله بن عمرو، وهذه الحلبة ثم سائر من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه رضي الله عنهم أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرات والمدنيات وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات، فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك، فلا نعرج عليه، ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء فدأب الروافض رواية الأباطيل أو رد ما في الصحاح والمسانيد ومتى إفاقة من به سكر؟ ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض، وتحاربوا وجرت أمور لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها، ووقعت في كتب التاريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة، والعاقل خصم لنفسه ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ولحوم العلماء مسمومة وما نقل من ذلك لتبيين غلط العالم، وكثرة وهمه أو نقص حفظه، فليس من هذا النمط، بل لتوضيح الحديث الصحيح من الحسن والحسن من الضعيف.
وإمامنا، فبحمد الله ثبت في الحديث حافظ لما وعى، عديم الغلط موصوف بالإتقان، متين الديانة فمن نال منه بجهل وهوى ممن علم أنه منافس له، فقد ظلم نفسه ومقته العلماء ولاح لكل حافظ تحامله، وجر الناس برجله ومن أثنى عليه واعترف بإمامته وإتقانه، وهم أهل العقد والحل قديما وحديثا فقد أصابوا، وأجملوا، وهدوا ووفقوا.
وأما أئمتنا اليوم وحكامنا فإذا أعدموا ما وجد من قدح بهوى فقد يقال: أحسنوا ووفقوا وطاعتهم في ذلك مفترضة لما قد رأوه من حسم مادة الباطل والشر.
Bogga 22