88

Furtaadda Qadiir

فتح القدير

Daabacaha

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤١٤ هـ

Goobta Daabacaadda

بيروت

وَالنَّفْسُ: الْجَسَدُ، وَمِنْهُ: نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلُوا ... أَبْيَاتَهُمْ تَأَمُورَ نَفْسِ الْمُنْذِرِ وَالتَّأَمُورُ: الْبَدَنُ. وَقَوْلُهُ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَعْظَمِ تَقْرِيعٍ وَأَشَدِّ تَوْبِيخٍ وَأَبْلَغِ تَبْكِيتٍ: أَيْ كَيْفَ تَتْرُكُونَ الْبِرَّ الَّذِي تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِهِ وَأَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَارِفِينَ بِقُبْحِ هَذَا الْفِعْلِ وَشِدَّةِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ، كَمَا تَرَوْنَهُ في الكتاب الذي تتلونه والآيات التي تقرؤونها مِنَ التَّوْرَاةِ. وَالتِّلَاوَةُ: الْقِرَاءَةُ، وَهِيَ الْمُرَادُ هُنَا وأصلها الاتباع، يقال: تلوته: إذا تبعته وَسُمِّيَ الْقَارِئُ تَالِيًا وَالْقِرَاءَةُ تِلَاوَةً لِأَنَّهُ يُتْبِعُ بَعْضَ الْكَلَامِ بِبَعْضٍ، عَلَى النَّسَقِ الَّذِي هُوَ عليه. قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ اسْتِفْهَامٌ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَالتَّقْرِيعِ لَهُمْ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْأَوَّلِ وَأَشَدُّ، وَأَشَدُّ مَا قَرَّعَ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَلَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ عَامِلِينَ بِالْعِلْمِ، فَاسْتَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا أَمْرَهُمْ لِلنَّاسِ بِالْبِرِّ مَعَ نِسْيَانِ أَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي قَامُوا بِهِ فِي الْمَجَامِعِ وَنَادَوْا بِهِ فِي الْمَجَالِسِ إِيهَامًا لِلنَّاسِ بِأَنَّهُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِ اللَّهِ مَا تَحَمَّلُوهُ مِنْ حُجَجِهِ، وَمُبَيِّنُونَ لِعِبَادِهِ مَا أَمَرَهُمْ بِبَيَانِهِ، وَمُوَصِّلُونَ إِلَى خَلْقِهِ مَا اسْتَوْدَعَهُمْ وَائْتَمَنَهُمْ عَلَيْهِ، وَهُمْ أَتْرَكُ النَّاسِ لِذَلِكَ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْ نَفْعِهِ وَأَزْهَدُهُمْ فِيهِ، ثُمَّ رَبَطَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى جَعَلَهَا مُبَيِّنَةً لِحَالِهِمْ وَكَاشِفَةً لِعَوَارِهِمْ وَهَاتِكَةً لِأَسْتَارِهِمْ، وَهِيَ أَنَّهُمْ فَعَلُوا هَذِهِ الْفِعْلَةَ الشَّنِيعَةَ وَالْخَصْلَةَ الْفَظِيعَةَ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ وَمَعْرِفَةٍ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ وَمُلَازَمَةٍ لِتِلَاوَتِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمَعَرِّيُّ: وَإِنَّمَا حَمَلَ التَّوْرَاةَ قَارِئُهَا ... كَسْبَ الْفَوَائِدِ لَا حُبَّ التِّلَاوَاتِ ثُمَّ انْتَقَلَ مَعَهُمْ مِنْ تَقْرِيعٍ إِلَى تَقْرِيعٍ، وَمِنْ تَوْبِيخٍ إِلَى تَوْبِيخٍ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَوْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْحُجَّةِ وَأَهْلِ الدِّرَاسَةِ لِكُتِبِ اللَّهِ، لَكَانَ مُجَرَّدُ كَوْنِكُمْ مِمَّنْ يَعْقِلُ حَائِلًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ذَائِدًا لَكُمْ عَنْهُ زَاجِرًا لَكُمْ مِنْهُ، فَكَيْفَ أَهْمَلْتُمْ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ بَعْدَ إِهْمَالِكُمْ لِمَا يُوجِبُهُ الْعِلْمُ. وَالْعَقْلُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، وَمِنْهُ عِقَالُ الْبَعِيرِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الْحَرَكَةِ، وَمِنْهُ الْعَقْلُ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَنْ قَتْلِ الْجَانِي. وَالْعَقْلُ نَقِيضُ الْجَهْلِ وَيَصِحُّ تَفْسِيرُ مَا فِي الْآيَةِ هُنَا بِمَا هُوَ أَصْلُ مَعْنَى الْعَقْلِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَيْ أَفَلَا تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ مُوَاقَعَةِ هَذِهِ الْحَالِ الْمُزْرِيَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ: أَفَلَا تَنْظُرُونَ بِعُقُولِكُمُ الَّتِي رَزَقَكُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا حَيْثُ لَمْ تَنْتَفِعُوا بِمَا لَدَيْكُمْ مِنَ الْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ الصَّبْرُ فِي اللُّغَةِ: الْحَبْسُ، وَصَبَرْتُ نَفْسِي عَلَى الشَّيْءِ: حَبَسْتُهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: فَصَبَرَتْ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً ... تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ وَالْمُرَادُ هُنَا: اسْتَعِينُوا بِحَبْسِ أَنْفُسِكُمْ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَقَصْرِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَى دَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، وَقِيلَ: الصَّبْرُ هُنَا هُوَ خَاصٌّ بِالصَّبْرِ عَلَى تَكَالِيفِ الصَّلَاةِ. وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها «١» وَلَيْسَ فِي هَذَا الصَّبْرِ الْخَاصِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ ما ينفي ما تفيده الألف واللام

(١) . طه: ١٣٢.

1 / 92