40

Furtaadda Qadiir

فتح القدير

Daabacaha

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤١٤ هـ

Goobta Daabacaadda

بيروت

مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ «١» وَقَالَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «٢» . [سورة البقرة (٢): آية ٥] أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ حَالُ هَؤُلَاءِ الْجَامِعِينَ بَيْنَ التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَالْإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ وَالْإِيمَانِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وعلى من قبله من الأنبياء ﵊ فَقِيلَ: أُولئِكَ عَلى هُدىً وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَبَرًا عَنِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إِلَخْ، فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ فِي قَوْلِهِ: عَلى هُدىً مَثَلٌ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنَ الْهُدَى وَاسْتِقْرَارِهِمْ عَلَيْهِ وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال مَنِ اعْتَلَى الشَّيْءَ وَرَكِبَهُ، وَنَحْوَهُ: هُوَ عَلَى الْحَقِّ وَعَلَى الْبَاطِلِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: جَعَلَ الْغَوَايَةَ مَرْكَبًا، وَامْتَطَى الْجَهْلَ، وَاقْتَعَدَ غارب الْهَوَى، انْتَهَى. وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُونَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا بِمَا لَا يَتَّسِعُ لَهُ الْمَقَامُ، وَاشْتُهِرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحَقِّقِ السَّعْدِ وَالْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ. وَاخْتَلَفَ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَرْجِيحِ الرَّاجِحِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا «الطَّوْدُ الْمُنِيفُ فِي تَرْجِيحٍ مَا قَالَهُ السَّعْدُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّرِيفُ» فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّضِحَ لَهُ الْمَقَامُ، وَيَجْمَعَ بين أطراف الكلام على التمام. قال ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّ مَعْنَى أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ وَبُرْهَانٍ وَاسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ بِتَسْدِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ، والْمُفْلِحُونَ أي المنجحون المدركون مَا طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. وَالْفَلَاحُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الشَّقُّ وَالْقَطْعُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ: ويقال للذي شُقَّتْ شَفَتُهُ: أَفْلَحُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَكَّارُ فَلَّاحًا لِأَنَّهُ شَقَّ الْأَرْضَ بِالْحَرْثِ، فَكَأَنَّ الْمُفْلِحَ قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِبَ حَتَّى نَالَ مَطْلُوبَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَوْزِ وَالْبَقَاءِ وَهُوَ أَصْلُهُ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ، فَمَعْنَى أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْمُفْلِحُ الْفَائِزُ بِالْبُغْيَةِ، كَأَنَّهُ الَّذِي انْفَتَحَتْ لَهُ وُجُوهُ الظَّفَرِ وَلَمْ تَسْتَغْلِقْ عَلَيْهِ، انْتَهَى. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْفَلَاحُ فِي السُّحُورِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ: «حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاحُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ» . فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ السُّحُورَ بِهِ بَقَاءُ الصَّوْمِ، فَلِهَذَا سُمِّيَ فَلَاحًا. وَفِي تَكْرِيرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ مُسْتَقِلٌّ بِتَمَيُّزِهِمْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، بِحَيْثُ لَوِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا لَكَفَى تَمَيُّزًا عَلَى حِيَالِهِ. وَفَائِدَةُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ الدَّلَالَةُ عَلَى اخْتِصَاصُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ بِالْمُسْنَدِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعَرَبِ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى مَنْ قَبْلَهُ: هُمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ جَمَعَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إِلَى هَذَا وَإِلَى مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ، كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَقَتَادَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فَنَرْجُو، وَنَقْرَأُ فَنَكَادُ أَنْ

(١) . البقرة: ٢٨٥. (٢) . النساء: ١٥٢. [.....]

1 / 44