Furtaadda Qadiir
فتح القدير
Daabacaha
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٤ هـ
Goobta Daabacaadda
بيروت
قَالَ: مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ يَقُولُ: مَنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: غَيْرَ باغٍ قَالَ: فِي الْمَيْتَةِ وَلا عادٍ قَالَ: فِي الْأَكْلِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ قَالَ: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا مُعْتَدٍ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ خَرَجَ يَقْطَعُ الرَّحِمَ، أَوْ يَقْطَعُ السَّبِيلَ، أَوْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ، أَوْ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ وَالْأَئِمَّةِ، أَوْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَاضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْعَادِي: الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ. وَقَوْلُهُ: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يَعْنِي فِي أَكْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ أَكَلَ مِنَ الْحَرَامِ رَحِيمٌ بِهِ إِذْ أَحَلَّ لَهُ الْحَرَامَ فِي الِاضْطِرَارِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ غَيْرَ بَاغٍ فِي أَكْلِهِ، وَلَا عَادٍ يَتَعَدَّى الْحَلَالَ إِلَى الْحَرَامِ وَهُوَ يجد عنه بلغة ومندوحة.
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٧٤ الى ١٧٦]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ، لِأَنَّهُمْ كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَالِاشْتِرَاءُ هُنَا: الِاسْتِبْدَالُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وَسَمَّاهُ: قَلِيلًا، لِانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ، وَهَذَا السَّبَبُ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَتَمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الرِّشَا، وَذَكَرَ الْبُطُونَ دَلَالَةً وَتَأْكِيدًا أَنَّ هَذَا الْأَكْلَ حَقِيقَةٌ، إِذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي مِثْلِ: أَكَلَ فُلَانٌ أَرْضِيَ، وَنَحْوِهِ. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنَّ مَعْنَى: فِي بُطُونِهِمْ: مِلْءَ بُطُونِهِمْ قَالَ: يَقُولُ أَكَلَ فُلَانٌ فِي بَطْنِهِ، وَأَكَلَ فِي بَعْضِ بَطْنِهِ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: إِلَّا النَّارَ أَيْ: أَنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ عَذَابَ النَّارِ، فَسَمَّى مَا أَكَلُوهُ:
نَارًا، لِأَنَّهُ يؤول بِهِمْ إِلَيْهَا، هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ عَلَى كِتْمَانِهِمْ بِأَكْلِ النَّارِ فِي جَهَنَّمَ حَقِيقَةً، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمًا إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا «١» وَقَوْلُهُ:
وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ فِيهِ كِنَايَةٌ عَنْ حُلُولِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَعَدَمِ الرِّضَا عَنْهُمْ، يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: المعنى: ولا يكلمهم بما يحبونه ولا بما يكرهونه. كقوله تعالى:
اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ «٢» . وقوله: لا يُزَكِّيهِمْ معناه: لا يثني عليهم خيرا. قاله الزَّجَّاجُ وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ: لَا يُصْلِحُ أَعْمَالَهُمُ الْخَبِيثَةَ فَيُطَهِّرُهُمْ. وَقَوْلُهُ: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى قَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ.
وَقَوْلُهُ: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ. وَالْمُرَادُ تَعْجِيبُ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ حَالِ هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار، فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب
(١) . النساء: ١٠. [.....] (٢) . المؤمنون: ١٠٨.
1 / 197