Furashadii Carabta ee Masar
فتح العرب لمصر
Noocyada
19
قد رأينا أنه قد أبيح للبطريق أندرونيكوس أن يبقى في الإسكندرية مدة ولايته للدين؛ وذلك لأنه كانت له عترة ذات بأس، وكان ابن عمه كبير «مجلس الإسكندرية» عندما ولي الأمر. وهذا الخبر كبير الدلالة؛ إذ نعلم منه أن بعض القبط كانوا يبلغون المراتب العالية في الدولة حتى في أيام هرقل، ونعلم منه أيضا أن الفرس عندما استقر بهم الأمر في البلاد بعد الفتح استخدموا كبار رجال الدولة السابقة التي أزالوها وحلوا محلها، وسنرى بعد حين أن العرب ساروا على السنة ذاتها غير حائدين عنها شيئا. وليس في الاستطاعة من سبيل غير ذلك كلما غزا جيش أجنبي بلادا لها مدنية تسبق مدنيته، ويرى واجبا عليه أن يدبر أمورها، وهي منظمة تنظيما حسنا في أوضاع جليلة ذات شعب وفروع. ولا نزاع في أن القبط قد اشتركوا في هذا الأمر، وما كان لهم أن يرفضوا ذلك الاشتراك؛ إذ إن الرفض حمق لا مبرر له، ولكن ذلك الاشتراك شيء، وما يعزوه إليهم الكتاب المحدثون عادة شيء آخر؛ فإنهم يعزون إليهم أنهم رحبوا بالفرس ورأوا فيهم رسل الخلاص؛
20
فإن هذه التهمة لا مبرر لها، وهي فوق ذلك قلب للحقيقة ومسخ لها.
إذ يجب أن نذكر أن الفرس جاءوا إلى مصر وأيديهم لا تزال ملطخة بما اقترفوه من النهب والقتل زمنا طويلا، وكان أكثر ضحاياهم من المسيحيين الذين اتحدوا مع القبط، وبعيد أن يعطف الفرس في مصر على مثل من قتلوا في الشام، في حين أن دفاع الإسكندرية ومقاومتها لهم ذلك الزمن الطويل لا بد أن يكون قد أثار حقدهم، ولا سيما وقد كان فيها أولئك اللاجئون الذين أتوا إليها من بيت المقدس؛ فلا شك إذن أن المقتلة كانت لا تمييز فيها لأحد على آخر. غير أن المقريزي
21
يقول إن اليهود اتفقوا مع الفرس كما فعلوا من قبل في فلسطين. وقد جاء في كتابه أن كسرى وجنوده جاءوا إلى مصر فقتلوا طائفة كبيرة من المسيحيين، وأسروا عددا عظيما منهم، وساعدهم اليهود على إهلاك المسيحيين وتخريب كنائسهم.
22
ونص هذه الرواية مثل سائر النصوص مضطرب بعض الاضطراب، ولما كانت لا تفرق بين حرب الشام وحرب مصر، كان لنا أن نقول إن المقصود منها مساعدة اليهود في بيت المقدس وحدها. على أنه قد كان في مصر عدد كبير من اليهود، وكان لهم حي في الإسكندرية، ومن الجائز أن يكون اليهود قد انتهزوا في مصر فرصة جديدة ليساعدوا أعداء الصليب، ولكنا نستبعد أن يكون القبط قد أظهروا شيئا من المودة للكفار الذين كانت أيديهم ملطخة بدماء إخوانهم في الدين في «أنطاكية» و«بيت المقدس»، ولعل بطرس البحريني كان يهوديا، ولعله كان أداة خطة مكر بها اليهود للكيد لأعدائهم. فإذا كان الأمر كذلك كان عمله في الخيانة أقل دناءة وخسة، وكان من السهل على الأفهام إدراكه.
ولكنا لسنا في حاجة إلى القياس والتخمين لكي نظهر براءة القبط مما عزي إليهم؛ فإنه لا شك في أن أكثر من هلك من الرهبان فيما حول الإسكندرية كانوا من القبط، ولو لم يكن لدينا من الأدلة إلا هذه الحقيقة لكانت كافية لدحض افتراء المفترين على القبط بأنهم رحبوا بالفرس، ولكن ليست هذه الحقيقة كل ما لدينا؛ فإنا نعلم أنه بعد فتح الإسكندرية سار قائد جيوش كسرى بجنده صعدا إلى الجنوب بحذاء النيل لكي يفتح الصعيد، وكانت معاملته للقبط واحدة في كل مكان واحدة؛ يحل الموت والخراب حيث حل. ويقول ساويرس إنه لما بلغ مدينة «بشاتي»، وهي «نقيوس»،
Bog aan la aqoon