Furashadii Carabta ee Masar
فتح العرب لمصر
Noocyada
والظاهر أنه يئس قبل ذلك أن يحتفظ بنفوذه عليهم، ذلك الذي أراد أن يقيمه بالاتفاق مع المسلمين ومعاونتهم، فامتلأ قلب المقوقس عند ذلك بالخوف وتوقع المصائب، وكان ذلك يزداد به كلما دنا أجل سلطان الروم في مصر. وكانت الأخبار التي ترد من القسطنطينية لا تبشره بخير؛ فقد آل أمر مرتينه وابنها إلى زوال؛ إذ نحيا عن الحكم أو قتلا، وبويع لقنسطانز وحده بالملك في آخر نوفمبر من سنة 641، ونفي «بيروس» وكان صديقا لقيرس، ويظهر أن قيرس هو الذي استماله إلى جانب مرتينه وحزبها، وأعيد «فلاجريوس» من منفاه، وكان عدوا شديد العداوة ل «قيرس». وحاول «فلنتين» أن يثور ثورة
1
جديدة، ولكنه أخفق؛ إذ لم يواته الناس، وأظهروا له الكراهة، ثم قبض عليه وجيء به إلى الإمبراطور «قنسطانز» ليحاكم على أنه خرج على الدولة وسعى إلى غصب التاج. غير أنه أقسم أغلظ الأيمان على أنه لم يقصد إلى ذلك، وأنه إنما كان يجهز جيشا يحارب به المسلمين. فقبل الملك اعتذاره، وأعاده إلى ما كان عليه، وتزوج من ابنته. فأراد «فلنتين» أن يظهر صدق نيته في الإخلاص للملك، فجعل يوقع إيقاعا بكل من يظنه مواليا ل «مرتينه» و«بيروس»، وكان من هؤلاء «أركاديوس» كبير أساقفة قبرص؛ فإن فلنتين اتهمه بالخيانة، وأنفذ جماعة من الجند للقبض عليه. فحال الموت دون ذلك؛ إذ مات «أركاديوس» فنجا من أيديهم.
ولكن ذلك الحادث كشف لقيرس عن الخطر المحدق به؛ فقد كان «أركاديوس» رجلا لا تشوبه شائبة، قضى حياة في عيش القديسين، ومع ذلك كان على وشك أن يؤتى به إلى القسطنطينية ليحاكم كما يحاكم أهل الريب، فما بالنا بقيرس؟ وماذا عساه يفعل إذا هو أوخذ واتهم بمثل تلك التهمة؛ تهمة الخيانة؟ وقد اشتهر عنه اتصاله بمرتينه و«بيروس»، وكان الناس يعرفون ما اقترف من السعي في ضياع مصر، وكانت حاشية الملك وحزبها قد أدركوا عند ذلك أن ضياع مصر لم يكن من الهنات الهينات؛ فأخذ منهم الغيظ مأخذه، وحقدوا على من جر على الدولة ذلك الشر الوبيل، وما لطخ به شرفها من العار والخزي.
لا عجب إذا كان «قيرس» قد استولى عليه الهم وغرق في الحزن؛ إذ جاءت إليه الأخبار تترى من القسطنطينية بما كان من تلك الأمور، واجتمعت عليه المخاوف، فخشي على نفسه أن يأمر الإمبراطور بنفيه أو بقتله، وكان أمره إلى ذلك الحين نافذا في الإسكندرية، ثم رأى نفسه وقد عجز عن محو أثر اضطهاده من نفوس القبط واستمالتهم إليه، ورأى أن الناس قد أنكروا سياسته للدين إنكارا لا أمل معه في عودة الرضا عنه، ورأى سياسته في أمور الدنيا وقد أصابها العار من وراء انتصاره فيها؛ فأثقل كل ذلك نفسه، وأسقم جسمه، وألقى كل أطماعه وآماله وكأنها أحلام تبددت، وأصبح لا يأمن حتى على حياته نفسها. وكان كلما رأى الحلقات تتضايق حوله وتساور الهموم حياته، صحا إلى ما كان من أمره، وذكر ما قارف من الذنوب وما أصابه من الفشل والخذلان، فكان قلبه يؤنبه، وندم على تفريطه في أمر مصر، وبكى على تضييعه لها بالدمع السخين.
2
وظلت الأكدار تغمره والهموم تحيط به حتى أصابه داء «الدوسنطاريا» في يوم «أحد السعف»، ومات منه في يوم الخميس الذي بعده في الحادي والعشرين من مارس من سنة 642.
ومن الواضح أن وفاته كانت وفاة طبيعية، وأن الموت قد عجل إليه لما أصابه من شقاء الهوان ومذلة العار. وقد ذكر حنا النقيوسي وفاته في موضعين؛ فقال في الأول إنه «أثقلته الهموم، فمرض بالدوسنطاريا ومات منها»، وقال في الثاني إنه «بكى بدمع لا ينقطع خوفا من أن يصيبه ما أصابه من قبل، وذلك هو النفي، وفيما كان غريقا في حزنه مات كما جرت به سنة العالم».
3
ولكنه في موضع منهما يوصف بأنه حزن لما أصاب مصر وما وقع بأهلها من ظلم العرب، وفي الموضع الآخر يوصف بأن أكثر ما أصابه من الحزن كان لرفض العرب شفاعته في أمر المصريين. وليس من سبب يحملنا على أن نشك في شيء مما جاء في هذا الوصف لآخرته، على أنه قد تخلفت رواية قبطية يرجع عهدها إلى أيام ساويرس،
Bog aan la aqoon