162

Furashadii Carabta ee Masar

فتح العرب لمصر

Noocyada

وليس من العسير أن ننقض هذه القصة كلها ونفندها؛ فإن مدينة شطا كانت تعرف بذلك الاسم قبل أن يغزو العرب مصر بزمن طويل، وقد عرفت منذ أزمان بدقة منسوجاتها وجودتها، وفوق ذلك يعرف اسم حاكم دمياط في ذلك الوقت، وقد ذكره حنا النقيوسي في ديوانه، فهو حنا

50

وليس «شطا» كما زعم المقريزي. وإن الصلة المزعومة بين «شطا» والمقوقس صلة ظاهرة البطلان، ولكنا إذا قلنا إن ذلك الرجل «شطا» لم يكن له وجود، فإن في القصة أمرا يجعلنا نرفعها فوق مرتبة الوضع والكذب، وهو تاريخ الموقعة؛ فإن المؤرخ العربي يذكر يوم وفاة ذلك البطل، ويقول إنه يوم الجمعة نصف شعبان من سنة إحدى وعشرين للهجرة ، وهذا اليوم هو التاسع عشر من شهر يوليو من سنة 642 للميلاد، وهو تاريخ لا نستطيع الشك فيه؛ فإن ذلك العام المذكور - أي عام 642 - هو العام الذي يتفق ومجرى الحوادث التي وقعت في تاريخ فتح هذه البلاد حقيقة، وإن اليوم المذكور وهو التاسع عشر من يوليو كان حقيقة يوم جمعة، وهذا اتفاق من وجهين يندر وقوعه، فإذا وقع كان التاريخ المذكور حقيقيا لا شك فيه. وزيادة على ما ذكرنا فإن زيارة الناس لذلك القبر إلى أيام المقريزي لدليل يعزز صدق القصة؛ فلا يسعنا مع هذا إلا أن نصدق أنه قد وقع قتال في اليوم المذكور في الجزيرة على مقربة من مدينة «تنيس»، وأن رجلا من الروم جاء من مدينة شطا، وقاتل في ذلك اليوم فأبلى مع المسلمين بلاء حسنا حتى قتل.

وهذا التاريخ له قيمة كبرى ودلالة عظمى؛ فإنه يدلنا على أن مقاومة المصريين للعرب استطال أمرها في بلاد مصر السفلى وظلت إلى ما بعد فتح الإسكندرية. وإذا ذكر أن أهل «تنيس» وما يليها من البلاد الواقعة في إقليم تلك البحيرة كانوا من القبط الخلص، تنبض قلوبهم بما تنبض به قلوب القبط، عرفنا أن وقوع تلك الوقعة في ذلك الوقت دليل جديد على فساد رأيين طالما خدعا الناس وتقادم عليهما الدهر، وهما يكفران الحقيقة، وهذان الرأيان هما أن مصر سلمت للعرب بغير قتال، وأن القبط رحبوا بالعرب ورأوا فيهم الخلاص مما كانوا فيه.

لقد كانت خيانة قيرس للإسكندرية سببا في القضاء على آخر آمال المسيحيين بالفوز في مصر، ولكن من العجيب مع ذلك أن تدافع هذه البلاد المتفرقة في مصر السفلى جيوش الغزاة وتقاومهم نحو عام آخر؛ ففي هذه آية على أن أهلها كانوا قوما من أولي النخوة والحفاظ بقوا على عهد دينهم وثبتوا عليه، ولكن التاريخ لم يجزهم بذلك ما يستحقونه من حسن الأحدوثة، بل لبث ينكرها عليهم زمنا طويلا.

الفصل الثالث والعشرون

انقضاء حكم الروم بمصر

كانت بلاد الصعيد قد تم فتحها، ولا سيما إلى حدود إقليم «طيبة» قبل أن تخبو نيران الحرب في بلاد مصر السفلى بزمن طويل، وكان فتح الصعيد على يد سرية أميرها خارجة بن حذافة، وأخرج الروم من بلاد وادي النيل (الصعيد) في عام 641 حتى لم يبق منهم فيه إلا قليل، وكان من بقي منهم ضئيل العدد خائر الهمة، لا يرزءون المسلمين شيئا، ولا ينازعونهم السلطان، فلا تذكر الأخبار شيئا من القتال في هذا الإقليم بعد ذلك. ولنا أن نقول إن بلاد الصعيد أذعنت للعرب بغير قتال بعد فتح الإسكندرية.

ولكن التاريخ يذكر شيئا من أخبار الإسكندرية في المدة الباقية من الهدنة، وإنا موردوه هنا. قد رأينا أن المدينة قد ازدحمت بمن لجأ إليها من جميع أنحاء مصر، وقد جلوا عنها عند مقدم العرب إليهم. فلما عقد الصلح كان من شروطه أن جنود الروم ومن حل بالإسكندرية من الرومان لهم الخيار إذا شاءوا جلوا عنها بحرا وبرا، وأما القبط فلم يذكروا فيه بشيء. فلما رأى اللاجئون بالإسكندرية أن السفن تحمل كل يوم طوائف من الناس إلى قبرص ورودس وبيزنطة قلقوا وحنوا للرجوع إلى قراهم، فذهبوا إلى قيرس وطلبوا إليه أن يكلم لهم عمرا في ذلك، وكانوا يعرفون صلته الوثيقة بقائد العرب، ولكن الظاهر أن عمرا لم يبح لهم الجلاء. ولا عجب في أن يخيب سعي البطريق في هذا الأمر إذا عرفنا أن طلبه هذا كان قبل شهر مارس؛ إذ كانت الحرب لا تزال ثائرة في بعض قرى مصر السفلى. وكان أكثر اللائذين من مصر السفلى؛ فلو أبيح لهم الرجوع إلى قراهم لما أمن أن يقاتلوا جنود المسلمين بأنفسهم، أو أن يمدوا المدائن التي كانت لا تزال مصرة على القتال ولم يفتحها المسلمون بعد.

غير أن قيرس آلمه ألا يجيبه عمرو إلى طلبه، وكان ألمه من ذلك شديدا؛ فقد كان يطمع أن يستميل إليه القبط، ولعله كان يرمي من وراء ذلك إلى أن ينسيهم شيئا من حقدهم عليه؛ فكان هذا الرفض الذي رفضه عمرو لطلبه ضربة شديدة أصابت سياسته في هذا الشأن.

Bog aan la aqoon