160

Furashadii Carabta ee Masar

فتح العرب لمصر

Noocyada

41

واحد لا تضارعها في بلاد مصر كلها أرض أخرى في جودة هوائها وخصبها وغناها، إلا إذا قلت بلاد الفيوم؛ فقد تكون عدلا لها. وكانت أرضها ترويها ترع لا تنضب مياهها تأتي من النيل، فكانت تنبت نباتا يانعا من القمح والنخيل والأعناب وسائر الشجر. غير أن البحر طغى عليها فاقتحم ما كان يحجزه من كثبان الرمل، وكانت المياه تزيد طغيانا عاما بعد عام حتى عمت السهل الوطيء كله، ولم يبق فوق وجهها إلا عدد من الجزائر بعد أن أكلت المياه ما كان هناك من حقول وقرى، فلم ينج منها إلا ما كان عاليا لا تناله المياه. وأعظم ما نجا من قرى تلك الأرض مدينة «تنيس» الشهيرة، وكانت مدينة لها شيء من الاتساع والكبر، وكانت ذات بناء جميل تجود بها صناعة المنسوجات الدقيقة. وكانت في البحيرة التي تخلفت مدائن أخرى اشتهرت ببراعة صناعها في النسيج، مثل «طونة» و«دميرة» و«دبيق»، ولكن لم تبلغ إحداها مبلغ «تنيس»؛ إذ كانت تضارع دمياط وشطا في دقة منسوجاتها وجودة أنواعها، فما كان في البلاد كلها غير «تنيس» و«دمياط» ما يستطيع أن يخرج ثوبا من الكتان النقي يبلغ ثمنه مائة دينار (أي خمسين جنيها). وقد ذكر المسعودي في تاريخه أن ثوبا صنع هناك للخليفة من عرض واحد بلغ ثمنه ألف دينار، وكان مصنوعا من خيوط الذهب مخلوطة باليسير من دقيق الكتان. وقد ورد في الأخبار كذلك أن تجارة «تنيس» مع العراق وحده بلغت من عشرين ألف دينار إلى ثلاثين ألفا في السنة الواحدة، ولكن ذلك كان قبل أن تقضي عليها الضرائب الفادحة.

كانت تنيس على جزيرة

42

فسيحة، وكانت تصل إليها من الجنوب ترعة اسمها بحر الروم. ولعلها كانت بقية فرع النيل التنيسي الذي كان يبلغ «الصالحية». وكان الاتصال كذلك سهلا في الماء بينها وبين الفرما، أو على الأقل بينها وبين «الطينة»، وهي ثغر الفرما على ساحل البحر. وقيل إن «تنيس» كان لا يزال بها إلى القرن العاشر آثار قديمة، سوى ما كان بها من المساجد وعدتها مائة وستون، تزين كلا منها مئذنة عالية، ثم ما كان بها من الكنائس وعدتها اثنتان وسبعون كنيسة، وكان بها من الحمامات ستة وثلاثون، وكانت لها أسوار حصينة فيها تسعة عشر بابا مصفحة بالحديد الثقيل.

43

وقيل إن الموتى في الجزائر الأخرى كانت تحمل في الماء إلى جزيرة «تنيس» لتدفن بها. والظاهر أن هذه الموتى كانت تحنط هناك. وقد زارها بعد ذلك بقرن الرحالة الفارسي «ناصري خسرو»

44

في عام 1047 للميلاد، فعجب مما رآه من ثرائها ورواج أسواقها؛ فهو يذكر أنه كانت بها عشرة آلاف متجر وخمسون ألفا من الناس، وكانت في مراسي جزيرتها ألف سفينة، ولم يكن بها شيء من الزرع، بل كانت تعتمد في كل أقواتها على تجارتها، وكان النيل إذا علا وفاض طرد ما حول الجزيرة من مياه البحر الملح، وملأ بالماء العذب ما كان فيها من الصهاريج ومخازن الماء الدفينة في الأرض، وكانت تلك كافية لشرب الناس طول الحول. وقد بلغت منسوجات القبط البديعة ذات الألوان شأنا عظيما لم تبلغه في وقت من الأوقات؛ فكان للسلطان مناسج خاصة به تنسج فيها الأثواب له وحده، وكان الثوب لعمامته تبلغ نفقته أربعة آلاف دينار، ولكن الأثواب التي كانت تصنع للسلطان لم تكن مما يعرض في الأسواق. وقد طلب إمبراطور الروم أن يأخذ «تنيس» ويعوض عنها بمائة مدينة من مدائن دولته، ولكنه لم يجب إلى ذلك. وكان مما يصنع في تلك المدينة سوى هذه الأثواب الملكية نوع من الأثواب اسمه «بوقلمون»، وكان من الحرير المتغير اللون، وكانت لمعته زاهية، حتى قيل إنه كان يبدو في ألوان متغيرة في كل ساعة من ساعات النهار، وكانت صناعة السلاح المتخذ من الصلب من الصناعات التي كادت تبلغ في تنيس مبلغ منسوجاتها؛ فكانت على ذلك مدينة من أعجب المدائن وأعظمها شأنا.

ويروى في القصص أن حاكم «تنيس» كان في وقت الفتح العربي رجلا من العرب النصارى اسمه «أبو طور»، وأنه خرج لقتال المسلمين على رأس عشرين ألفا من القبط والروم والعرب، فلقيهم في سيرهم إلى «تنيس» بعد أن فتحوا دمياط،

Bog aan la aqoon