135

Furashadii Carabta ee Masar

فتح العرب لمصر

Noocyada

وقد قاتل جنود الروم في هذا الوقت قتالا شديدا، حتى شهد بذلك مؤرخو المسلمين أنفسهم، ولم يخذلهم ما أصابهم من قبل من النكبات من سقوط بابليون ونقيوس في يد عدوهم، ولا ما حل بهم من خيانة بعض قوادهم أو جبنائهم، ولم يكن الروم في قلة ؛ إذ أتتهم الأمداد من وراء البحر من «قسطنطينية»، وكان قائدهم «تيودور» غير متهم في شجاعته ولا إقدامه في القتال، غير أنه لم يكن قائدا ذا رأي في الحرب. وقد عرف الناس جميعا فيما يحيط بذلك الموضع، كما عرف الجنود الذين كانوا بالإسكندرية أن ذلك اليوم، يوم كريون، له ما بعده، فأتت الكتائب تترى من كل مكان إلى لواء الروم من سنطيس ومن مدائن أبعد منها، مثل «خيس» و«سخا» و«بلهيب».

22

ولم تكن تلك الوقعة قتال يوم انجلى عن مصير «كريون»، بل كان قتالا شديدا استمر بضعة عشر يوما، وحدث في وقت من أوقاته أن وردان مولى عمرو المعروف كان يحمل لواء المسلمين، فأصابت عبد الله بن عمرو جراحة شديدة وكان إلى جانبه، فأجهضته شدة القتال، فسأله أن يرتد قليلا يطلب الروح، فقال له وردان: «الروح تريد؟ الروح أمامك وليس خلفك.» ثم أقبلا على القتال. فلما سمع عمرو بما أصاب ولده بعث إليه من يسأل عن حاله، فتمثل عبد الله بأبيات من الشعر

23

يطمئن بها والده. فلما سمع عمرو بذلك قال: «إنه ابني حقا.» وحمل المسلمون

24

مرة بعد مرة حملات شديدة، ولكن الفتح أبطأ عليهم، وصلى عمرو بالناس صلاة الخوف. ويلوح لنا أن تلك الوقعة لم تكن نصرا لإحدى الطائفتين، بل تساوت فيها الكفتان، ولكن مؤرخي العرب يقولون إنها كانت نصرا عظيما للمسلمين. ومهما يكن من الأمر فلا شك في أن المسلمين لاقوا نصرا بعد قتالهم في تلك الأيام العشرة؛ وذلك أنهم استطاعوا أن يفتحوا مدينة كريون وحصنها وهزموا الروم عنها. ولا نستطيع أن نقول شيئا عما حدث بعد ذلك في ارتداد تيودور؛ فلا ندري أكان ارتداد جنوده انهزاما لا يلوون فيه على شيء حتى بلغوا أبواب الإسكندرية، أم كان تقهقرا وئيدا في نظام؟ على أن ديوان «حنا النقيوسي» يشتم منه أن التقهقر كان وئيدا، وهو لعمري قول لا يتهم صاحبه.

ولا بد قد خسرت الطائفتان كلتاهما في ذلك القتال بين الطرانة وكريون خسارة كبرى، وكان الروم أقدر على احتمال تلك الخسارة من العرب. وإذا نحن حسبنا ما تركه العرب من المسالح في «بابليون» وسواها من بلاد مصر السلفى، يتضح لنا أن عمرا ما كان ليستطيع السير إلى الإسكندرية ما لم تكن قد أتته أمداد عظيمة في الشتاء المنصرم أو في الربيع، فلم يكن ليجرؤ أن يطلع على الإسكندرية بأقل من خمسة عشر ألفا. وإنه لأقرب للحق أن نجعل عدد جيشه عند ذلك عشرين ألفا. ولما فتح العرب كريون خلا أمامهم الطريق إلى الإسكندرية، ولم يبطئ عمرو إلا ريثما يستريح جنده من عناء القتال الأخير، ثم سار في سبيله، ولم يلق كيدا حتى بلغ الإسكندرية.

ولا بد أن كثيرين ممن كان في جيش العرب عند ذلك رأوا جميل المدائن في فلسطين والشام مثل أذاسة ودمشق وبيت المقدس، وقد يكون منهم من وقعت عينه على أنطاكية الشهيرة، أو رأى عجائب تدمر، ولكن ذلك كله لم يكن شيئا إذا قيس بعظمة المدينة التي تبدت لهم عند ذلك، وهي عظمة بارعة نادرة تتجلى لهم إذ يسيرون بين الحدائق وحوائط الكروم والأديرة الكثيرة بأرباضها؛ فقد كانت الإسكندرية حتى في القرن السابع أجمل مدائن العالم وأبهاها، فلم تبدع يد البناء قبلها ولا بعدها شيئا يعدلها، اللهم إلا روما وقرطاجنة القديمتين. فما سرحت العين لا تقع إلا على أسوار وحصون لا نظير لها، بقيت بعد ذلك قرونا وهي مثار إعجاب من رآها من أهل الأسفار، وكانت تشرف وراء هذه الأسوار والحصون بدائع من قباب ومن عمد، بعضها أسطواني وبعضها مربع (مما يسمى بالمسلات) تقوم فوق قواعدها، ومن تماثيل ومعابد وقصور تتلألأ وتتألق. فإذا ما تياسرت

25

Bog aan la aqoon